النقاط الرئيسية:
- تربية الأم لابنتها هي حجر الأساس الذي تبني عليه البنت أسلوب تربيتها لأبنائها عندما تصبح أماً.
- حرص الأم الزائد على أبنائها لا يبرر حقها في أن تعاملهم بقسوة وصرامة.
- رغم كل التضحيات لا تستطيع أمهات اليوم التفاني والتضحية بقدر ما فعلت أمهاتهن.
أمال تقي هي سيدة لبنانية نشأت في بيت محافظ في طرابلس في شمال لبنان، نشأت في زمن لم تكن فيه التكنولوجيا والإلكترونيات هي الشغل الشاغل للأولاد. في ذلك الزمن، كانت الروابط الأسرية مقدسة لا تدنس حرمتها منصات التواصل الاجتماعي وصخبها الزائف.
هذا الواقع ولّد علاقة متينة بين أمال وأمها وجدتها اللتين كانتا من أكثر الأشخاص قرباً منها، فأخذت تنهل منهما كافة مبادئ الحياة الأساسية وتتغذى من العادات العربية الجميلة.
تعلمنا التضحية والعفو والسماح والسخاء والكرم، إضافة إلى احترام الأكبر سناً ومساعدة ذوي القربى والمحتاجين، وأنا حافظت على كل هذه العادات الجميلة.
السيدة أمال مع ابنتها هند. Source: Supplied
كانت أمي قاسية جداً، أنا لا أعتبر أنني عشت طفولتي كأي طفل آخر، فكل شيء كان ممنوعاً.
Serious Mature mother scolding her young daughter Credit: Juanmonino/Getty Images
تجيب الأخصائية والمستشارة النفسية ومدربة العلاقات الأسرية رند فايد، أنه لا أحد يستحق أن يتم التعامل معه بقسوة، لأن القسوة أمر موجع. يجب على الأم أن تكون حازمة لا قاسية، وأن يكون لديها الوعي لتحقيق التوازن بين الحزم والتراخي، والتي هي أمور من أساسيات التربية السليمة.
هاجرت السيدة أمال إلى أستراليا في عمر العشرين، وهنا واجهت المجتمع الأسترالي بكل اختلافاته. وبعد زواجها، ناداها واجب الأمومة المقدس، فكان تهذيب النفس هو العنوان العريض لأسلوب التربية الذي أخذته من والدتها، واقتدت به لتربي أبناءها في بلد تختلف عاداته وتقاليده عما نشأت عليه في لبنان.
استعملت أسلوب الترغيب لا الترهيب، واعتبرت أبنائي أخوة وأصدقاء لي. كنت أجلس وأتكلم معهم وأشرح لهم الأمور بأسلوب مبسط وجميل لكي يفهموا الفرق بين الصواب والخطأ.
Waist-up view of Middle Eastern woman in abaya and hijab sitting at dining room table with young son and daughter as they write in workbooks. Credit: xavierarnau/Getty Images
تقول هند، "تعلمت من أمي التضحية، واحترام الآخرين وخدمة المجتمع والمحتاجين. وكما كانت أمي تستعمل معي ومع اخوتي أسلوب الحوار سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فهذا ما أقوم به أيضاً مع أولادي لضمان إدراكهم ما هو المسموح وما هم الممنوع والأسباب وراء ذلك".
أما مريم التي عانت من قسوة أمها في تربيتها لها، فقد ولّد لديها هذا الأمر نقمة على أسلوب والدتها التي حاولت أن تبتعد كل البعد عنه عندما أصبحت أماً.
Mother scolding her young daughter at home Credit: triloks/Getty Images
أعلم أحياناً أنني أرتكب خطأً ما، لكن لأن أمي كانت تفعل هذا الأمر الذي كان يؤلمنا، فأنا أقوم بالعكس.
لم يكن للنقاش بين الأم ووالدتها مكان في حياة مريم، لذا فهي تحاول مريم أن تعوض هذا الحرمان باعتماد الحوار أساساً في بيتها. فأكدت أنها تعمل دائماً على شرح الإيجابيات والسلبيات للأمور، ليتمكن أولادها من اتخاذ القرار الصائب بأنفسهم وأن لا تأخذ أي قرارات بالنيابة عنهم.
وفي هذا الصدد، تشدد الأخصائية رند فايد على أهمية الحوار بين الأم وأبنائها لما له من دور فعال في تعزيز ثقة الطفل بنفسه وبالتالي طريقة تعامله مع الآخرين، خاصة أن ثقافة الحوار غير سائدة في المجتمعات العربية مما يؤثر سلباً على شخصية الطفل.
Mother and daughter enjoying their morning together Credit: FluxFactory/Getty Images
تقول أمال، "لم يكن الأمر سهلاً عليّ بسبب اختلاف البيئة والعادات، لكنني كنت صبورة وكرست وقتي لأولادي رغم أنني كنت أعمل. لكنني كنت أختار الأوقات الصحيحة وأختار أي فرصة وأستعملها كعبرة ودرس ليتعلموا منها".
أخذت الأمور الجيدة من الحضارة الأسترالية ودمجتها مع العادات العربية، وجعلتهم قادرين على المقارنة بين الأفضل في الحضارتين.
أما بالنسبة إلى هند، ابنة السيدة أمال، فانتشار الالكترونيات والتطور التكنولوجي الأمور التي لم تكن مصدر قلق لوالدتها كونها لم تكن موجودة، هي من أبرز التحديات التي تواجهها اليوم في تربية أبنائها.
Angry mother scolding the disobedient child. Debica, Poland Credit: Anna Bizon/Getty Images/Gallo Images ROOTS
من ناحية أخرى، ترى مريم أن التطور التكنولوجي وانفتاح العالم على بعضه البعض، خفف من هاجس التربية في مجتمع غربي الأمر الذي كان من الممكن أن يشكل تحدياً لها في الماضي.
تعتبر مريم أن جيل اليوم قادر على التعرف على ثقافات العالم بأكمله، لذا فالمسألة لا تختلف بالنسبة لها سواء نشأ أولادها في بلد عربي أو في أستراليا.
التربية في أستراليا ليست أمراً يخيفني، طالما أن العلاقة قائمة على الصراحة، وأنا أعلم أولادي الصواب والخطأ، وأوقفهم عند حدهم إذا ارتكبوا خطاً ما، لكن ليس بطريقة قمعية لأنهم سيرتكبون الأخطاء لا محال.
Muslim daughter kissing her mom's forehead for 'salam' (Muslim way of greeting gesture) at home. Credit: Alex Liew/Getty Images
لا يمكن أن نربي أبناءنا كما تربينا، الرابط الوحيد الذي يجعل أبناءنا يحترموننا ويسمعون كلامنا هو الحب لأنه ليس لدينا أي وصاية على أولادنا في هذا البلد سوى من خلال الحب.
Source: Pixabay
ما حرمته على الفتاة، كان أيضاً محرماً على الشاب في الأمور التي لا تتناسب مع مبادئنا وأخلاقياتنا.
من هذا المنطلق، لم تسمح أمال لابنها كما لبناتها بأمور مثل السكن خارج منزل العائلة قبل الزواج أو إنشاء علاقات خارج إطار العلاقات الرسمية الشرعية كالخطوبة والزواج.
كما كان لأمال دائماً كلمتها ورأيها في الأشخاص الذين سيرتبط بهم أولادها إيماناً منها أن الزواج علاقة مقدسة ومصيرية تؤثر على حياة الشخص بأكملها.
Muslim woman kissing hand of her old mother as a sign of respect in Islam Source: Getty / Getty Images/Jasmin Merdan
وهذا ما فعلته مع ابنها أيضاً عند محاولته إيجاد زوجة المستقبل، فكانت صريحة وأعطت رأيها بمنتهى المصداقية في بعض الفتيات اللواتي رأتهن غير مناسبات له. ونتيجة لتجربة أخته السابقة، فقد نصحته هي بالأخذ برأي والدتهم لأنها محقة في أي نصيحة أو رأي نتيجة خبرتها الأعمق في الأشخاص والحياة.
A woman of Middle Eastern descent is spending time with her children. The woman is on a walk with her two daughters in the city. She is pushing a stroller. They are wearing casual clothing. Credit: FatCamera/Getty Images
طالما هم متفقون ويريدون بعضهم البعض، لا يوجد لدي أي مشكلة. فهذه حياتهم وبالتالي إذا لم تنجح العلاقة سينفصلون وإذا نجحت فأنا لا أريد سوى سعادتهم.
السيدة أمال مع ابنتها هند. Source: Supplied
أما مريم، فعتبها الأكبر على والدتها كان أن قسوتها جعلتها فتاة ضعيفة الشخصية نتيجة خوفها الزائد منها. فتعتبر أنها كانت تعيش قمعاَ رفضت أن يعيشه أولادها، لكي يكونوا أصحاب شخصية قوية قادرين على مواجهة كل تحديات الحياة.
Woman taking care of elderly lady Source: Moment RF / Jasmin Merdan/Getty Images
كما يبدو اليوم أن مفهوم التفاني والتضحية قد اختلف مع تطور الحياة. فقد أجمعت الأمهات الثلاث أمال وهند ومريم أنه مهما ضحّين من أجل أبنائهن، لا يمكن أن يقوموا بما قامت به أمهاتهن. فقد كانت أمهاتهن يؤثرن أولادهن على أنفسهن ويقدمن مصلحتهم على مصالحهن الشخصية.
لقد توافقت الأمهات الثلاث على أنه لا بد من وضع بعض الحدود، فيجب أن تخصص الأم الوقت لنفسها وتهتم لصحتها لتبقى قادرة على خدمة عائلتها.
لا تفوتوا فرصة الاستماع إلى قصص هؤلاء الأمهات في التسجيل الصوتي المرفق أعلى الصفحة.
يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على