"غير المتزوجة ليست ناقصة وتعبت من سماع: متى ترتبطين؟": عندما تتحول "عقبالِك" إلى جَلد نفسي للمرأة

bride-727004_1920 1.jpg

Journalist Petra Taok allows women of different ages and educational backgrounds to break their silence and talk about the social isolation of unmarried women in eastern societies, and the stigma that makes a single women in a midlife crisis feel incomplete. She podcast, episode 7, "A spinster and yet complete?" Credit: Pixabay

نساء من مختلف الأعمار والمستويات العلمية يكسرن صمتهن ويتحدثن عن العزلة الاجتماعية التي تعيشها المرأة غير المتزوجة في المجتمعات الشرقية، ووصمة العار المبطنة التي تُشعر المرأة العزباء بأنها غير مكتملة. كيف تتحوّل اذَا كلمة "عقبالك" او "نفرح منك" من تعبير صادق حول الحب، الزواج والاحتفال بديمومة الحياة الى جلدٍ نفسي مبطن بكلمات؟ وهل المرأة غير المتزوجة ناقصة وفي سباق مع الساعة البيولوجية على حساب الساعة النفسية والعاطفية، فقط من أجل الزواج؟


النقاط الرئيسية:
  • يتفرد المجتمع الشرق اوسطي بكلمات تعكس ثقافة تكرس الزواج للمرأة كهدف في حد ذاته على الا يتخطى عتبة الأربعين من العمر، اذ لا يكتمل الزواج دون إنجاب
  • تشعر المرأة العربية بضغط المجتمع اللفظي وغير اللفظي، فتختار الزواج احيانًا لإرضاء المجتمع على حساب قناعاتها
  • تختصر شهادات من نساء من مختلف الاعمار هذا الواقع، ويشرح علم النفس مع د. سمير إبراهيم خلفيات هذه الأفكار الباطنية، كما ويقدم كاتب رواية "عروس بيروت فادي زغموت قراءته حول هوس المجتمع العربي بالزواج من خلال شخصيات روايته
تلبس المرأة احيانًا الأبيض فقط لإرضاء المجتمع، فترضي الجميع الا ذاتها لتكتب قصة ثقافة مجتمعية شرقية تختصر صيرورة المرأة في الزواج والانجاب فقط.

تركت بسكال رزق لبنان متوجهة الى روما منذ 14 سنة لتتابع تحصيلها العلمي وتنال شهادة الدكتوراه، ورغم وصولها الى اعلى المراتب الأكاديمية، لكنها ما زالت تقف عند كلمات تركت في داخلها علامات استفهام. ها هي اليوم تعانق 43 فصل من عمرها.

IMG-20230211-WA0026.jpg
Dr Pascale Rizk, PhD in linguistics, works in the Vatican in Rome.

أن تكون رزق بفردها في هذه الحياة، فهذا يعني ان تعتمد على ذاتها كليًا من الناحية النفسية، الجسدية والمادية. تشرح قائلة:

"الوحدة هي من أكثر الأشياء غموضًا في الحياة، انها استقلالية من نوع آخر"،
من الصعب جدًا أن أعود الى المنزل ولا أجد أحدًا ينتظرني، يعطي معنى للتضحية، يعانقني ويقبلني
تعتبر رزق أن الثقافة الشرقية تثقل كاهل المرأة بالضغط الاجتماعي وكأنها هي المسؤولة عن عدم زواجها، قائلة:

"يحمّلون المرأة المسؤولية وكأن القرارات كلها في يدها. يقال لي قد يكون مظهرك الخارجي غير كاف ام شخصيتك"،

"وكأن تحقيق المرأة لذاتها مرتبط فقط بالزواج. تعبت من كلمة "لم ترتبطي بعد؟"

ومن الضغوط المجتمعية في لبنان، الى نظرة المجتمع المصري في استراليا مع ناديا ميخائيل التي كادت ان تلبس فستان زفافها وها هي تحتضن سنواتها الستين، دون زواج، في كثير من الرضى. ميخائيل التي كانت تدير شركة سياحية في مصر وتحقق نجاحًا كبيرًا، تركت مسارها العملي لتبحث عما يملأ فراغ قلبها فوجدت راحتها في الله وتكريس ذاتها للحياة الروحية.
Nadia Mikhail.jpg
Nadia Mikhail, former manager in tourism agency and currently a full-time volunteer in a Christian movement.
هاجرت ناديا الى استراليا وهي تخصص كامل وقتها للخدمة الكنسية، الا انها تواجه لحظات من الوحدة القاسية ايضًا.

"كلنا نشعر بالوحدة، ونظرات العالم ابلغ من الكلمات، ولكن عندما اهتم بالآخرين، أجد الامتلاء وهذا يعطيني الحب من الله".

تضيف ناديا:

"سمعت كلمات كثيرة وتعبت كثيراً من تردادها، وكانت نظرات الناس كافية وابلغ من الكلمات"،

"تكبر المرأة ولا يأتي النصيب، والامر ليس بيدها. ليست هي المسؤولة عن عدم زواجها"،

وتتابع موضحة ان الزمن تغير بما في ذلك دور المرأة.

" المرأة الآن منتجة ومستقلة ماديًا، لذلك لمً الخوف؟ لن تكون عبئاً على العائلة إذا لم تتزوج".

تؤكد ميخائيل انها وجدت المعنى والملاذ والحب في العطاء والخدمة الكنسية وتستحضر قصة خطوبتها قائلة:

"كنت على وشك الزواج، واعددت البيت ولم يتم النصيب. تمت خطوبتي 4 مرات، ولكني أرى اليوم ان هناك هدفّا أكبر لحياتي".

كلمات لا نسمعها الا بالعربية

تتفرد اللغة العربية بمصطلحات يومية نكاد لا نجد لها مرادفًا في اللغات الأخرى. وتخصّ المرأة وحدها بكلمات، مثل كلمة "عانس" التي توجه للأنثى فقط، فلا تحتفل الثقافة الشرقية بالزواج والحب المثمر وحسب، بل تجعله هدفًا في حد ذاته.

تتسمر بعض الكلمات في داخل نساء شاركن خبرتهن في هذا البودكاست، وفضّلن أن تبقى الخبرة دون ذكر الاسم. فالأسماء التي سيتم استخدامها هي مستعارة احترامًا للخصوصية. تقول ديانا البالغة من العمر 45 سنة:
يقال لي انت جميلة، مثقفة وابنة عائلة كريمة. فلماذا لم ترتبطي؟ وكأن بهم يبحثون عن عيب او علّة ما يي
"لا تزعجني كلمة "عقبالِك" لكنها تقال لي بحسرة وكأنها تحمل في طياتها دعاء لأن يفتح الله طريق الزواج بأسرع وقت".

وعما اذا كانت المرأة ناقصة او غير مكتملة خارج الزواج، تقول ديانا:
المرأة غير المتزوجة ليست ناقصة، على العكس تمامًا، ان لم تكتمل في ذاتها فلن تكتمل مع شريك
ميراي الاربعينية، تأسف كذلك على من ينظر اليها بوصمة ما لأنها غير مرتبطة، ولكنها متصالحة مع ذاتها وواقعها، وتركز على أهمية المرافقة العاطفية في الزواج او خارجه.

أما جوسلين السبعينية، فتتأثر وتبكي بحسرة وهي تواجه الوحدة الموحشة. تخاف الليل، وتتمسك بالنهار لترى الناس وصخب الحياة ولا تغمض عينيها خوفًا من الا تفتحها مجددًا.

" ما زلت اسمع كلمة "عقبالك" حتى اليوم رغم سنيني، الا ان الأصدقاء يرون أن الأمومة ما زالت تليق بي، كما الزواج".

بدورها تحدثت بسكال رزق عن الكلمات الجارحة التي بدأت تتصالح معها في مسيرة المصالحة مع الذات: "من الكلمات التي لن انساها على الطريقة اللبنانية "وطي السقف شوي" و"انت عم بتَّتقلي حالك" و" دبري حالك مع حدا كرمال يجيك ولد".

وبذلك، تكشف هذه الكلمات تحوّل الزواج من خيار للحب الى هدف في حد ذاته، وللوصول اليه تبرر كل التنازلات.

الزواج، طريق ام هدف؟

لا يتوقف المجتمع عند الدعوة المبطنة للزواج، بل يجعل هذا الاستحقاق تتويجًا لاي استحقاق بشرط ان يكون مثمرًا بالإنجاب فحتى الزواج دون إنجاب يعتبره مبتورًا. تعلق رزق على هذا الواقع قائلة:
يقال لي شارفتِ على منتصف الأربعين، فهل ما زلت ترغبين بالزواج؟ وكأنهم يقولون لي ان لا قيمة للزواج بدون أولاد
فبعد فرحة الشهادة، تأتي فرحة العريس، وفرحة الانجاب وكان الاستحقاق داخل القفص الذهبي واحدا تلو الآخر. تقول رزق:

" في فرحة نيلي شهادة الدكتوراه، كنت اسمع "نفرح منك"، فكان الجواب لم لا تفرحون بي الآن؟".

"أمي اليوم تعلمت ان ترى أن فرحي في استحقاقات أخرى، وحاولتُ ان اترجم بعض هذه التعابير، فاذا بها غير موجودة".

وسرعان ما تدخل المرأة غير المتزوجة في الشعور بالذنب ولوم الذات، وتتساءل ما إذا كان بالفعل العيب فيها هي.

تقول رزق: "سألت ذاتي أكثر من مرة ما إذا كان هناك عيب يكمن في وعما إذا كنت أخطأت في علاقاتي واخترت ان اعالج ذاتي من عدة نواحٍ وادخل في حوار صادق مع نفسي"،
لا ننمو بغير الحوار مع الذات. ليس هناك راحة مطلقة، بل سكون في القلب
بشكل ثاقب توضح رزق أن الزواج هو طريق وليس هدفًا في حد ذاته.

"قد يأتي في عمر معين وقدا يأتي متأخرًا، انه ليس هدفًا، انه طريق فقط. النضوج يجعل المرأة تدرك هذا الشيء رغم الضغط الاجتماعي الذي تعيشه".

عروس عمان وشخصيات من نسج الواقع

توقف الكاتب الأردني والروائي والناشط في مجال الحريات الفردية، فادي زغموت عند روايته "عروس عمان" التي تدخل القارىء، مع شخصيات ثلاث، الى واقع يفرض على المرأة العزباء في المجتمع العربي والأردني ويكبّل حريتها.

Fady Zaghmout.jpg
Jordanian writer and blogger Fadi Zaghmout, the author of his debut novel “bride of Amman” عروس عمّان which was translated into English by Ruth Kemp
يقول زغموت: "حاولت ان أظهر الهوس الاجتماعي في مؤسسة الزواج والضغط الاجتماعي الهائل الذي يفرض على المرأة للزواج في عمر محدد".

يتابع زغموت:
يخاف المجتمع من جنسانية المرأة لذا يتم دفع النساء للزواج في عمر مبكر خوفًا من علاقة خارج الزواج
ورغم أن الادوار الاجتماعية بدأت تتبدل مع انخراط المرأة في العمل واسهامها الفاعل في الإنتاجية داخل الأسرة، الا أن زغموت يرى أن الموروث الاجتماعي ما زال قويًا.

لذا يدعو المرأة العربية وبجرأة لأن تنتفض ولا تنصاع لمجتمع يلخص دورها بالزواج وفي عمر مبكر.

علم النفس يقرأ ما خلف الجدلية

ومن البعد الاجتماعي الى النفسي، يحلل د. سمير إبراهيم سيكولوجية المجتمع العربي الذي يهرب من عزلته في جعل الزواج الهدف الأسمى للمرأة، فيسقط على المرأة فقط كلمة "عانس" وليس على الرجل.

يقول إبراهيم: "الزواج له زوايا كثيرة، ولكن أهم ما يمنحه للإنسان هو الرفقة، ومشاركة تفاصيل الحياة الصغيرة والكبيرة".

يختار الانسان الزواج من شريك يفرّغ فيه طاقاته ويعيش حياة فيها آمالًا وافكارًا موحدة. اما حول اعتبار المرأة غير المتزوجة عانسًا، يقول إبراهيم: "هذه فكرة شرق أوسطية، ولكنها كانت منذ زمن طويل في المجتمع الأوروبي. إلا أنها فكرة خاطئة وغير منطقية تمامًا، اذ ان الرجل كما المرأة بحاجة الى رفقة".

يشدد ابراهيم على أهمية الصدق مع الذات، وتجنب الخضوع اللاإرادي للمجتمع فقط بغية ارضائه.

"الازمة تكمن في الاهتمام برأي الآخرين. هل تسعى المرأة الى إرضاء المجتمع ام ذاتها؟ كم من امرأة تزوجت فقط لإرضاء المجتمع وهن تعيسات، وعلى العكس، فالامتلاء النفسي قد يتحقق خارج الزواج".
Dr Samir Ibrahim.jpg
Psychiatrist Dr Samir Ibrahim, fellow of Royal Australian College of Psychiatrists with over 40 years of experience in the field of Psychiatry.
بين الحاجة للحب، وعاصفة الضغط المجتمعي السوسيولوجي، معرفة الذات تشكل نقطة التحول الداخلي لمواجهة والخوف الباطني من الوحدة. في هذا الإطار يقول إبراهيم: "نقطة الارتكاز النفسي لدى المرأة هي نقطة الأساس وبداية التحول ومصدر الثقة بالنفس. الثقة بالنفس هي التي تحرر المرأة من الانصياع للمجتمع بشكل لا ارادي".
ان قيمتي تكمن في نفسي، متزوجًا كنت ام غير متزوج وان لم يفرح هذا الأمر المجتمع
يميز إبراهيم بشكل واضح بين إيجاد الشريك وإيجاد الشريك المناسب اذ يقول:

"أن يأتي الشخص المناسب، فهذا أمر شائك، هل الشريك مناسب في الفكر والعمر والرأي؟".
اختيار الشريك المناسب امر أساسي، كم من شخص تزوج لإرضاء الاهل وعاش تعيسًا
لذلك غالبًا ما ترضي المرأة المجتمع على حساب إرضائها لذاتها، وتقبل في أي زواج وغالبًا ما تندم. فالأمر بالنسبة لابراهيم، يتطلب ثقة عالية عند المرأة.

"افرحي في قبول الشريك المناسب إذا وجد، وافرحي في حياتك ان لم تجد الشريك المناسب، والثقة بالذات هي كلمة السر".

منهن تزوجن ويشعرن بالفراغ النفسي رغم وجود شريك، ومنهن يشعرن بالامتلاء النفسي، وحتى في غياب الشريك والفرق مركز الانتباه الداخلي عند المرأة.

المجتمع يقول كلمته، ولكن الكلمة المفصلية هي للمرأة وحدها. ما الذي ستقوله كل من السيدات لذواتهن؟

استمعوا الى الخبرات الصادقة لنساء لم يلبسن فستان زفافهن، في الملف الصوتي أعلاه.
اقرأ المزيد:

هي


شارك