100 عام من الهجرة ودموع لم تجف: "لا أنسى أبدًا من أين أتى والدي، وحين أتذكر ما عانته أمي أتألم بمرارة"

Oldest Lebanese immigration and settlement in Towoomba

Bishara Ramia, a cook for the Australian Army in 1941 with his wife Marie and (right) Jamilee Wigan with her son Tony and daughter Claire. Source: Joe Ramia, Tony Wigan

تنطلق أس بي أس لنقل قصص المهاجرين أينما كانوا ولا تكتفي باستقبالها ووثقت ضمن الوثائقي الصوتي قصة هجرة عمرها اكثر من مئة سنة انطلقت من كفرصغاب في شمال لبنان لتستقر بتوومبا . وفي الجزء الثالث والأخير، اضاءة حول هجرة شارفت على مئويتها منطلقة من عروس البقاع زحلة وهجرة معاصرة تختصر ستين سنة في توومبا.


تركت العائلات اللبنانية المهاجرة منذ أكثر من مئة سنة بصمتها في مدينة توومبا التي تحتضن المهاجرين اذ أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع الأسترالي.


النقاط الرئيسية:

  • تحدث عمدة توومبا السيد أنطونيو بكرم عن مساهمة المهاجرين اللبنانيين في المجالات كافة، منوهًا بعطاءاتهم مؤكدًا انهم أحدثوا فرقًا حقيقيًا في توومبا
  • هاجرا ماري وبشارة رميا الذين تركا عروس البقاع زحلة عام 1931 ليستقرا في توومبا في منزل صغير في شارع جيمس الشهير الذي يضج بذكريات اللبنانيين وتحديات الغربة
  • توجت هجرة معاصرة بستين سنة في توومبا لعائلة ويغان او عويجان التي أتت من البترون من في شمال لبنان وكان الجد طانيوس ملقبًا بملك "الليموناضة"

  أستراليا أرض الفرص

 كان لا بد من لقاء عمدة توومبا السيد بول أنطونيو لا لتسليط الضوء على مساهمات أقدم العائلات اللبنانية في المناطق الإقليمية في كوينزلاند وحسب، انما لتسليط الضوء على مدينة توومبا الملقبة بـمدينة الحدائق "The Garden City".

 يشغل السيد بول أنطونيو منصب عمدة إقليم توومبا منذ عام 2012 ، وهو يحمل في جعبته أكثر من 30 عامًا من الخبرة في الحكومة المحلية حتى هذا المنصب ، وكان سابقًا نائب عمدة المجلس الإقليمي في توومبا في فترة ولايته الأولى المدمجة. يعتبر أنطونيو أن مدينة توومبا هي منطقة نابضة بالحياة، تتمتع باقتصاد مزدهر وقوي واستقرار في قطاعي الصحة والتعليم اذ يقول:

"لدينا بالفعل مساحة شاسعة تبلغ 13 ألف كيلومتر مربع وهي من أغنى الأراضي الزراعية التي قد تجدها في أي مكان في العالم كما أن القطاع الخاص في توومبا على جميع المستويات نشط للغاية".
Old Lebanese immigration
Toowoomba Regional Council Mayor Mr. Paul Antonio with his Lebanese friend Joe Ramia and SBS journalist Petra Taok Source: Petra Taok
يفتخر السيد أنطونيو بأن أستراليا هي أرض الفرص ووجهة غير مخيبة للمهاجرين الذين يأتون من العديد من البلدان لبدء علامة تجارية جديدة في أستراليا مشاركًا في خبرة عائلته الشخصية:

"إذا نظرت إلى عائلتي، اسمي برتغالي، فقد هاجر جدي وتزوج من سيدة أيرلندية، وابنهما متزوج من سيدة إسكتلندية. وأمي متحدرة من عائلة لاجئة من ألمانيا، لذلك كانت أستراليا دائمًا ارض الفرص للجميع".

تحدث السيد أنطونيو بكرم عن مساهمة المهاجرين اللبنانيين في المجالات كافة،  منوهًا بعطاءاتهم اذ يقول:
هناك العديد من اللبنانيين المساهمين في القطاع الخاص هنا ويعملون بجد ويلتصقون ببعضهم البعض ويعملون معًا وقد أحدثوا فرقًا حقيقيًا في هذا المجتمع
وتابع قائلًا:

" الجالية اللبنانية هنا في توومبا تتمتع بسمعة طيبة جدًا من خلال العمل الجاد ولديها قدرة على الابتكار في كل ما تقوم به" ، " يسعدنا أن لدينا أشخاصًا مثل اللبنانيين هنا يتمسكون بثقافتهم لكنهم ما زالوا أستراليين عظماء وهذا ما نحن عليه هنا في أستراليا ".
Old Lebanese immigration
Toowoomba Regional Council recognition wall Source: Petra Taok
طبع عمدة توومبا بصداقة أصيلة لبنانية تحدث عنها بإسهاب قائلًا:
من العدل أن أقول إن أفضل صديق لي هو لبناني
" جاء والديه الى هنا وخدم والده في الحرب العالمية الثانية كجزء من الجيش الأسترالي، ومات بشكل مأساوي بعد وقت قصير من ولادة صديقي عندما كان في الرابعة أو الخامسة من عمره "

روى السيد أنطونيو كيف عضد المجتمع اللبناني والدة صديقه التي باتت على كرسيها المتحرك ولم تكن تتحدث الإنجليزية، كما وتوقف عند مسيرة من النجاح والعطاء كللت حياة صديقه اللبناني جو رميا قائلًا:

" هناك لحظات في حياتي كانت قاسية وفي الأوقات العصيبة لا تنسى الأشخاص الذين يقفون بجانبك ويهتمون بك وصديقي جو راميا أحد هؤلاء الأشخاص ".

وتابع قائلًا:

" تمسك صديقي الطيب والسخي بتراثه اللبناني، وفي الحياة تكتشف من هم أصدقاؤك الحقيقيون. عندما تنظر إلى قصة جو لا يمكنك الا وأن تندهش"

 من عروس البقاع زحلة الى مدينة الحدائق توومبا

وما كانت الا لحظات حتى لبى الصديق اللبناني الوفي جو رميا دعوتنا  ليروي لنا قصة والديه ماري وبشارة رميا الذين تركا عروس البقاع زحلة عام 1931 ليستقرا في مدينة الحدائق توومبا.
Old Lebanese immigration
Lebanese Australian Joe Ramia who migrated to Towoomba with his parents in 1931, with SBS journalist Petra Taok in Towoomba council Source: Petra Taok
هاجر بشارة رميا أولاً وحصل على وظيفة في ملبورن وكان لديه بعض العلاقات هناك، ثم استقر في توومبا حيث العديد من المهاجرين اللبنانيين، وعندما حصل على وظيفته الأولى كبائع فاكهة متجول على شاحنة صغيرة، أتى بزوجته إلى توومبا وسكن الزوجان في منزل صغير في شارع جيمس الشهير الذي يضج بذكريات اللبنانيين ودموع الغربة.

يقول جو:

" ولدت في عام 1947، وتوفي أبي في عام 1952 اذ لم تكن المساعدة الطبية متوفرة آنذاك، وقامت أمي بتربيتنا انا وأخي بمفردها في ظروف قاهرة الى أن اعترفت الحكومة بالآتين من الشرق الأوسط ومنحت أمي معاشًا تقاعديًا ".

شرح جو أن المنح الحكومية والخدمات الاجتماعية كانت غائبة آنذاك وكان توفير مقومات الحياة أمرًا شاقًا اذ يقول:

 "كانت أوقاتًا صعبة للغاية. لم تستطع أمي التحدث بعبارة واحدة باللغة الإنجليزية إذا احتاجت إلى دعم الأشخاص الآخرين الذين كانوا هنا ربما لفترة أطول قليلاً ويمكنهم فهم ذلك"
لم أكن أفهم اللغة العربية وأتحدث اللغة الإنجليزية وأمي كانت تتحدث العربية ولا تفهم الإنكليزية
وبمرارة ذرف دموع الحنين كما الأسى قائلًا:

"لا أنسى أبدًا من أين أتيا أمي وأبي، أعلم أنه يجب المضي قدمًا في هذا البلد الذي نعيش فيه، ولكن عندما أتذكر ما مرت به أمي  أتألم بكثير من الأسى "
لم يتمكن جو من تحقيق رغبة قلبه في زيارة مسقط رأسه بعد أن تأجلت رحلته المقررة الى لبنان منذ عشر سنوات تقريبًا بسبب الحرب والظروف الأمنية الصعبة قائلًا:
سيكون من الجيد أن أذهب لرؤية مكان ولادة أمي وأبي
من طرابلس الى البترون فتوومبا

ومن الهجرة القديمة التي شارفت على مئويتها، كان لا بد من التوقف أيضًا عند هجرة معاصرة توجت بستين سنة في توومبا. بدأت القصة في مدينة طرابلس في شمال لبنان، من هناك الى البترون وشاطئه لتبحر ا لباخرة الى أستراليا وكان طوني ويغان او عويجان آنذاك يبلغ من العمر 5 سنوات.  

أتى طوني من مدينة البترون في شمال لبنان إحدى أقدم المدن التاريخية والسياحية في العالم والتي يعود سكانها الى حوالي خمسة آلاف سنة، فهي مدينة ساحلية على الجهة الجنوبية للشاطئ الصخري وتبعد حوالي 50 كيلومتر عن العاصمة بيروت. اعتاد طوني على منظر الشاطئ الخلاب الا انه وفي توومبا تعرف على "النهر" لأول مرة ويروي قائلًا:

"كنت معتادًا على رؤية الشاطئ يوميًا في طفولتي وفي بريزبان تفاجأت عندما رأيت مياهًا جامدة خضراء فسألت أمي عنها وقالت ان ما أراه هو نهر، وكانت المرة الأولى التي أرى النهر في حياتي".
Old Lebanese immigration
Tony Wigan who migrated with his father George who migrated to Australia in 1962 Source: Tony Wigan
كان السيد جورج عويجان والد طوني يعمل في المصفاة الأمريكية في طرابلس عام 1962 وكانت أسرته في أستراليا.  وفي ذلك الوقت كانت العائلة المهاجرة تكفل الأقارب في الوطن الأم، وفي هذا الإطار يقول طوني:

"كانت العائلات المستقرة في استراليا تكفل من هم في لبنان لمدة عامين قبل أن تتمكن أي عائلة مهاجرة من الاستقرار هناك وكان عليها  الا تخذل العائلة الكفيلة لذا كانوا يعملون دون انقطاع"

يقول طوني عويجان ان والده يبلغ من العمر اليوم 97 عامًا وينظر الى رحلة هجرة واستقرار عمرها 60 سنة:

"نجلس سويًا ونتذكر لبنان والأماكن التي كنا نزورها. ذاكرتي تزور أماكن طفولتي حين كنت ابلغ سنتين من العمر"

بشغف روى طوني حكاية عصير الليموناضة الذي بدأ مع جدّه السيد طانيوس العبد والملقب ب "عويجان"، ليصبح لاحقًا علامة فارقة في البترون، حيث تعاون الجد وأولاده الثلاثة عشر في إعداد الشراب الأشهر الذي كان يقصده جميع العابرين من البترون الى بيروت اذ يقول:

"جدي كان ملقبًا بملك الليموناضة في البترون وهو من ابتكر الشراب البتروني الأشهر"،
كنت أتابع التلفاز وذكر اسم جدي فندهت لوالدي واكد لي ان جدي هو المعروف بملك الليموناضة
لم تكن هجرة الوالد خالية من التحديات والتضحيات فاضطر كأي مهاجر أن يغير مساره المهني فيشرح الابن طوني قائلًا:

"كان والدي كهربائيًا مجازًا واضطر الى التخلي عن مهنته لصعوبة المعادلات فامتهن هوايته ليفتتح متجر تصليح الأحذية".

يفتخر طوني عويجان بميزة توومبا في احتضان التعددية الثقافية لا بل الاحتفال بها، ويساهم من خلال عمله الإذاعي عبر الإذاعة المحلية بالتواصل مع المهاجرين من الخلفيات كافة.
Oldest Lebanese immigration and settlement in Towoomba
Grandmother Noor in Lebanon with her children who migrated to Australia sponsoring her son's family in 1962. Source: Tony Wigan
لا ولن ينسى طوني دموع جدته منذ 60 سنة في مطار بيروت وهي تتضرع الى الله ليعيدهم اليها اذ يقول:

" جدتي كانت تجهش بالبكاء وتقول "يا عذراء أعيديهم إلي"، ومن شدة الحزن عاشت أمي مع آلام في المعدة طوال حياتها وللأسف كانت آخر مرة ارى جدتي في حياتي".

ولأن الموسيقى هي ذاكرة الشعوب والحضارات، رندح طوني لحنًا يسكنه منذ الخامسة من عمره دون أن يدري ان هذا اللحن هو بحد ذاته انشودة حياة بصوت السيدة فيروز التي بات صوتها وطنًا على وسع كل غربة!

استمعوا إلى المقابلة مع في الملف الصوتي المرفق بالصورة أعلاه.


شارك