100 عام من الهجرة من لبنان إلى أستراليا: "والدي لم يملك سوى قرش في جيبه عندما وصل إلى سيدني"

Old Lebanese immigration

The Sleba family migrated from Lebanon to Towoomba 110 years ago. Source: Rodney Sleba

بدأت القصة منذ 110 أعوام، في بلدة كفرصغاب في شمال لبنان مع أسعد وحسنة اللذين تركا جبل لبنان عام 1924 هربًا من فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى القاسية ليستقرا في كوينزلاند، في بلدة توومبا الريفية. كيف بدأت قصة النجاح مع فلس واحد في الجيب وعدم القدرة على القراءة والكتابة ومن قطع الحطب للجيش، الى تأسيس إحدى أكبر وأهم المزارع في توومبا مع أسعد الذي سيصبح "آرثر"؟


للهجرة قصة خاصة في كفرصغاب تعود الى أكتر من مئة عام وتحديدًا الى العام 1890 مع أشخاص غامروا في المجهول بحثًا عن وطن بعيدًا عن الوطن.


النقاط الرئيسية:

  • تكشف هذه السلسة مساهمات أقدم العائلات اللبنانية في المناطق الإقليمية في كوينزلاند والتي أصبحت جزءًا أساسيًا من نسيج مجتمع كوينزلاند
  • هاجرت عائلة صليبا من لبنان إلى بلدة توومبا عام 1924، ومن العمل في قطع الحطب تملك الآن احدى أهم المزارع
  • تشارك عائلة صليبا تجارب أكثر من 100 عام من الهجرة وتكشف ملامح استراليا آنذاك والطرق الترابية الضيقة التي مشت عليها لتجد في توومبا مكانًا لاستقرارها

هاجر طوني صليبا مع والديه أسعد وحسنة الى استراليا عندما كان يبلغ من العمر 13 سنة، وفي أستراليا التقى برفيقة الدرب جوزفين. استقر الزوجان في بلدة توومبا الريفية التي تبعد 125 كم من العاصمة بريزبان، وهناك بدأت الذكريات تُكتب بالتعب والعمل الشاق فأثمر حبهما ثلاثة أولاد هم رودني وميرفين وماري.

يقول الابن ميرفين الذي يبلغ اليوم من العمر 82 سنة:

"كان جدي ووالدي يعملان في تقطيع الحطب للجيش الأمريكي خلال الحرب، وكانا يذهبان كل صباح لإحضار الحطب لإعداد الطعام للجيش".
Old Lebanese immigration
The first generation of immigrants Assad and Hessneh Sleba with their children Tony and Mary along with Anne and Barbara Sleba Source: Rodney Sleba
لم يتقن كل من الجد والوالد اللغة الإنكليزية الا انهما كانا يعملان بجدّ لذا قدم الجيش لهما شاحنة فكانت بداية مغامرة مهنية وانطلاقة عملهما بنقل الحليب الطازج يوميًا من توومبا الى بريزبان، اذ يقول ميرفن:

"وصل أهلي الى سيدني ومشوا من سيدني الى هنا وعملوا بجد كبير على مدار الساعة في قطف الموز والبطاطا الحلوة "

روى الابن الأكبر رودني من الجيل الثالث في توومبا والذي فقد أي ارتباط باللغة الأم، أنه لم يزر ابدًا  كفرصغاب مسقط رأسه، إلا أن لها مكانة خاصة في ذاكرته وعاطفته وهويته.

يقول رودني إن جدّيه هاجرا من كفرصغاب في مطلع العشرينات هربًا من وحشية الأتراك والمجاعة، إذ وصل الجدان أسعد وحسنة مع ولديهما طوني وماري الى سيدني وسرعان ما توجها للاستقرار في توومبا حيث انتظرتهم العائلة الأكبر التي هاجرت في أواخر القرن الثامن عشر.
Old Lebanese immigration
Identity certificate for Asaad Saliba, born in 1886, dating back to 1923 Source: Rodney Sleba
أشار رودني إلى أن والده طوني كان أميًّا وتعلم بمجهوده الذاتي القراءة والكتابة:
والدي كان يعرف فقط توقيع اسمه على شيك مصرفي وكان لا يملك سوى بنس في جيبه عندما وصل إلى سيدني
شرح رودني كيف وفرت أستراليا الأرضية الخصبة والوافرة للعمل الشاق والمثمر لأجداده الذين كانوا يعملون بجد سبعة أيام في الأسبوع وصولًا الى 12 ساعة في اليوم. كان جده أسعد ووالده طوني يجران عربة بيع الخضار في توومبا ومع حصولهما على الشاحنة من الجيش الأميركي بدآ العمل في نقل الحليب:  

" كانت تنقل شاحنة أسعد وطوني 12 حمولة من الحليب الطازج الى بريزبان كل يوم"

وتابع قائلًا:   
تطلب النجاح منهم وقتًا وكفاحًا، لكنهم نجحوا
Old Lebanese immigration
Mervin and Joan Sleba, John Hanna and Collin Steven along with journalist Petra Toak in Towoomba. Source: Petra Taok

من نقل الحليب إلى شراء أول مزرعة

كان طوني صليبا منفتحًا على الثقافة الأسترالية ومرنًا، وعن حبه للتعلم يقول الابن ميرفن:

"تعلّم والدي فقط لمدة 6 شهور لكنه كان ذكيًا ومحبًا للثقافة الأسترالية وفيما كان يعمل ببيع الخنازير التقى شخصًا يريد بيع مزرعته فكانت الانطلاقة مع المزرعة الأولى"
تصافح الرجلان واشترى والدي المزرعة ومنذ ذلك اليوم لم ينظر إلى الوراء
أحب الوالد طوني العلم رغم أنه حُرم منه، فأرسل ابنيه إلى أهم المدارس في المنطقة ورغم أن ميرفن عمل في المجال المصرفي ولم يكن يحب أن تطأ قدماه أرض المزرعة، لكنه اليوم وأخوه من أشهر المزارعين في توومبا:
ذهبت وابتعت كل كتاب حول عالم المزارع وما زلت أحتفظ بالمجموعة حتى اليوم
في المزرعة الأولى الصغيرة، بدأت زراعة وبيع الشعير الأسترالي الشهير لتتسع المزرعة فتصبح من أكبر المزارع في المنطقة في تصدير المحاصيل، واليوم باتت تصدّر الحبوب أيضاً:

"كنا نملك في مرحلة معينة 300 فدان من الأرض في المزرعة وكانت من أكبر المزارع"
Old Lebanese immigration
The new crop silos on the Sleba farm Source: Petra Taok
تزوج ميرفن من جوان التي تتحدر من أصول أسترالية ورغم أنها كانت ملكة جمال Sunshine coast آنذاك، إلا أنها تفوقت في حياة المزرعة وفي إعداد الأطباق اللبنانية:
زوجتي تعد ما يخطر لك من الأطباق اللبنانية وتحلب الأبقار وتساعد في ري المزرعة وزراعة الشعير وكل ما يخطر ببالك
وعن الثقافة اللبنانية تقول الزوجة جون: "تعلمت أن اللبنانيين يحبون اطباقهم ويتناولونها بشكل مكثف"
Old Lebanese immigration
Mervin and Joan Sleba Source: Petra Taok
أما الابن طوني حفيد أسعد وحسنة الذي يحمل اسم جده وإرثه، فاختار أن يرتبط بشريكة عمر من كفرصغاب الحب الأول، واستطاع أن يحقق حلم الوالد إذ زار لبنان عام 2000 لأول مرة: "أثمّن القيم اللبنانية المسيحية لأنني ترعرعت عليها وأستمتع بغنى هذه الثقافة وترابط وقرب الناس".
Old Lebanese immigration
Tony and Mirna Sleba with their children in Towoomba Source: Myrna Sleba
بغصة ودمعة تحدث عن زيارته الأولى للبنان متمنيًا أن ينجح بدوره بنقل القيم التي تربى عليها لأولاده:
لا يمكنني التعبير عما شعرت به، لم اختبر أبداً مثل هذه الصداقة ودفء الناس هناك لا يوصف
أما رفيقة الدرب ميرنا التي حملت لبنان معها وأعادت لذاك البيت لغة الأجداد الذين تركوا كفرصغاب منذ أكثر من مئة سنة فتقول:
نحن نعيش في أستراليا لكن لبنان يعيش فينا، أنا من كفرصغاب وسأبقى كذلك
وتتابع قائلة: "لا أنسى لبنان وأحب أن أنقل فخري بلبنانيتي لأولادي ولمجتمعي في توومبا".

"فقدت عائلة زوجي ارتباطها بلبنان بعد مئة سنة من الهجرة، ولكن مع زواجي من طوني شعرت أنني أعدت هذا الارتباط والانتماء للعائلة"
Old Lebanese immigration
The Sleba family in Towoomba Source: Rodney Sleba
تضيف ميرنا المستمعة الدائمة لأس بي أس عربي24: "أس بي أس عربي تربطنا مع جذورنا ووطننا الأم".

يقول الحفيد أندرو وهو من الجيل الرابع عن مسيرة الإصرار والنجاح وهو يعمل على نفس الأرض التي ابتاعها جده أسعد:

"إنه شعور رائع بأن نحافظ على إرث الأجداد وأن أعمل هنا في مزرعة جدي، أنظر لإهراءات القمح القديمة والجديدة وأفتخر بما وصلنا إليه اليوم"
ميرفن يقدم نصيحة غالية للمهاجرين الجدد:
اتركوا المدينة التي هي أسوأ خيار لأولادكم وانطلقوا الى الريف الذي يحتاجكم، أستراليا بلد عظيم يمكّنكم من تحقيق أحلامكم
وختم العم رودني بهذه الكلمات:

"الجيل الأول يشقى ويكافح، الثاني يبني على ما أسس أما الثالث فيهدم، واظن أننا كسرنا هذه القاعدة مع الجيل السادس من المزارعين".

هل كسرت إذًا عائلة صليبا هذه المقولة مع الجيل السادس من المزارعين؟

لمعرفة المزيد وللاستماع إلى المقابلة كاملة، اضغط على الملف الصوتي المرفق بالصورة أعلاه.


شارك