استمعوا إلى قصة عبد الرحمن حمود بالضغط على الرابط الصوتي المرفق بالصورة أعلاه.
أو عبر منصات البودكاست المفضلة لديكم هنا
ما زلت أذكر أول مرة عانقتني فيها زميلتي في الجامعة وقبلتني على خدي، صُدمت!
عبدالرحمن حمود أسترالي من أصول لبنانية، عاش معظم حياته في عالم لا تختلف ثقافته عن ثقافة والديه في المنزل. كان عبد الرحمن في مدرسة إسلامية في أستراليا وأصدقائه يصومون رمضان ويحتفلون بالعيد وترتدي أمهاتهم الحجاب.
"كنت أشعر أن حياتي في أيام المدرسة عادية، لم أعرف أن هناك حياة أخرى تختلف عن حياتي. كنا أنا وأصدقائي في المدرسة متشابهون، كلنا من خلفيات متنوعة ثقافيا، والداي يعاملانني مثلما كان يعاملهم أباءهم، كلنا من نفس الدين، لا نشرب الكحول ولا ندخن السجائر، ونعرف ما هو الحرام والحلال."
لم يشعر عبدالرحمن أنه مختلف أو أن هويته الأصلية قد تكون محلا للتساؤل من الآخرين.لكن عالمه الذي قد يكون مثالي لبعض المهاجرين، تلاشى عندما ترك مدرسته الإسلامية ووطأت قدماه أبواب الجامعة. وجد عبد الرحمن نفسه متخبطا في عالم جديد اضطر فيه للتعايش مع عادات وتقاليد كان بعيدا عنها تماما.
Abdulrahman Hammoud Source: Supplied
"صُدمت عندما انتقلت إلى الجامعة، صدمتي كانت كبيرة في العالم الخارجي، وكأني كنت أعيش طول عمري قبلها في بلد آخر غير أستراليا."
أتاحت مدرسة عبدالرحمن الإسلامية له لقاء العديد من أبناء المهاجرين الذين يتحدثون لغات أخرى في المنزل غير الإنجليزية، ويحملون أسماء عربية وإسلامية.
"عندما بدأت دراستي الجامعية، فوجئت أن زملائي لا يتحدثون إلا الإنجليزية. أنا أتحدث العربية وزملائي كانوا يتحدثون الأفغانية والأثيوبية ويحملون أسماء مألوفة. ولكن في الجامعة بدت أسمائهم بالنسبة لي غريبة جدا، "كارين وتشارلي" لم أعرف أحدا في مدرستي بهذه الأسماء."
لم يقتصر الأمر على الأسماء فقط ولكن الثقافة بالكامل كانت مختلفة: "كانوا يشربون الكحول، ويذهبون إلى النوادي الليلة ويرتادون الحانات وهكذا يتعرفون على أصدقاء جدد ويحظون بالمواعيد الغرامية!"" كان هذا أمر غريب جدا علي، هذا حرام!"
Abdulrahman Hammoud Source: Supplied
بالنسبة لعبدالرحمن، الذي بدا له الالتحاق بالجامعة كما لو كان قد انتقل للعيش في بلد جديد، كانت الحانات مكان "محرم" لأنها تقدم المشروبات الكحولية، وتمنح فرصة الاختلاط "المكروه" بالفتيات.
"بدت هذه النشاطات بالنسبة لزملائي في الجامعة عادية للغاية، كما كان صيام رمضان بالنسبة لي أمر عادي أيضا."
"استغرقت بعض من الوقت لأدرك أن هذه هي حياتهم، مثل ما كانت حياتي في المدرسة الإسلامية، مع أصدقاء يحملون أسماء محمود وخالد وفرح."
"ولكن أول مرة عانقتني فيها زميلتي في الجامعة وقبلتني على خدي، صُدمت! لم أعانقها، لم أحرك ساكنا."
"عدت الى المنزل وفكرت ما الذي فعلته! أستغفر الله."خشي عبدالرحمن من أن يكون قد ارتكب خطأ كبير، وخطر على باله أنه بذلك قد تكون الفتاة قد أحبته وتريد مواعدته. لم يعي أن هذا أمر عادي، وأن المعانقة نوعا من أنواع إلقاء السلام بالنسبة للثقافة الغربية.
Abdulrahman Hammoud Source: Supplied
ولكن مرة بعد مرة، اكتشف عبدالرحمن أن هذا الأمر طبيعي في أستراليا، وليس هناك شيء غريب في العناق. وبدأ عبد الرحمن في رحلة للتعامل مع هذا الواقع الجديد، لكنه لم يلجأ إلى المشورة أو النصح من أهله، ففي هذا السن يميل الشباب إلى إدارة حياتهم بمعزل عن الأهل: "نود أن نشعر أننا قادرين على إدارة حياتنا وحدنا."
ومن ناحية أخرى شعر عبد الرحمن أنه مقبول في الجامعة الى حد ما، ولكن في المقابل، كان عليه أن يكون منفتحا بعض الشيء: "كونت وجهة نظر خاصة بي. لم أمانع بالجلوس الى جانب فتاة، والحديث معها وحتى أن أعانقها."
"بعد أن رأيت أن الكثيرين من حولي في الجامعة يفعلون تلك الأمور، اقتنعت أنها أمور عادية وليست غريبة أو مستهجنة."لكن جانبا آخر من هويته بدأ يتكشف أمام عينيه يتعلق بالصورة النمطية السلبية التي يحملها البعض عن العرب والمسلمين: "كان علي تقبل المزاح والتعليقات التي تطال العرب والمسلمين وتصفهم أنهم "إرهابيين"، لأنهم لم يقصدوني أنا شخصيا، وكأني لست عربيا مسلما."
Abdulrahman Hammoud Source: Supplied
"كان علي أيضا تفسير كل ما يتعلق بشعائري وبالثقافة العربية، ومحاولة شرح السبب وراء ممارسة تلك الشعائر ولماذ أعتقد أن هذا هو الصواب، مثل صوم رمضان."
في عمر الثالثة والعشرين قرر عبد الرحمن أن يبرز هويته العربية والإسلامية دون تحفظات. "لم أعد أبالي كثيرا مؤخرا بتقبل الآخرين لي كما أنا."
لكن تصالحه مع هويته لا يمنعه من التساؤل حول ظروف نشأته، هل كان أهله محقين بوضعه في مدرسة إسلامية؟
من ناحية كانت تلك الظروف السبب في مواجهته لصعوبات في الاندماج مع المجتمع الأوسع عندما التحق بالجامعة، لكن في نفس الوقت جعلته متمكن من اللغة العربية وملم بثقافته ومعتقداته الدينية.
"أفكر في الأمر ولكن من الصعب أن أجد الاجابة."
"عندي أصدقاء عرب ومسلمين التحقوا بمدارس عامة، كلانا تعرض للعنصرية، وكلانا نُعتنا بالإرهابين، وكلانا مشينا مع أمهاتنا وهن يرتدين الحجاب وتعرضنا لمضايقات وإهانات في الشارع."
لم يكن هناك فرق واضح ليساعد عبدالرحمن في الإجابة عن هذه التساؤلات.
"من التحديات التي واجهتها بعد أيام الجامعة كان إيجاد وظيفة، حيث كنت أرسل سيرتي الذاتية ولكني لم أحصل على فرصة عمل واحدة بعد أن أرسلتها إلى كل مكان، حتى وان كنت أملك كل المتطلبات اللازمة."
لم يجزم عبدالرحمن أن هذا بسبب اسمه أو هويته العربية، ربما كانت صدفة أو سوء حظ. وعلى كل الأحوال، كان يحصل على وظائف عن طريق وسطاء ومعارف يقومون بتقديمه شخصيا لمكان العمل.
مهما كانت التحديات، ما زال عبد الرحمن يشعر بالفخر بأصوله العربية اللبنانية وهويته المختلطة. وجد عبد الرحمن نشاطا للتعبير عن نفسه خلال فترة الجامعة وهي الندوات الشعرية وجلسات الإلقاء.
يكتب الشعر ويلقيه كما يقوم بالتمثيل في بعض المسرحيات أيضا: "في الجلسات الشعرية التي أقوم بها، أحرص على أن أقول اسمي بالكامل، وأني عربي، لبناني ومسلم."
يعود السؤال نفسه إلى ذهنه ولكن بصيغة مختلفة: هل سأضع أطفالي المستقبليين في مدرسة عامة أو مدرسة إسلامية؟"أفكر في تجربتي، حيث تعرضت للتنمر، والعنصرية والكثير من الأمور الأخرى وأصبحت قادرا على التأقلم وتحمل كل الظروف. لكن لا يملك الجميع القدرة على التحمل، لذا ربما قد يكون خيار المدرسة الاسلامية أسهل."
Abdulrahman Hammoud Source: Supplied
"لكن هناك مشكلة أخرى وهو ما سيحدث عندما يغادر الشاب أو الفتاة المدرسة الدينية؟ يجب أن يكون هناك مرحلة انتقالية تحضر الشباب نفسيا للاندماج بشكل أفضل في الجامعة والمجتمع."
"لم يعرف أهلي حياة غير تلك التي عاشوها في لبنان. عندما وصلوا إلى أستراليا لم يكن لديهم وقت ليتعرفوا إلى حياة أخرى."
"كانوا يعملون لتأمين معاشنا، ويتعرضون للكثير من العنصرية و المضايقات، ولم يقم أحدا بتدريبهم على الاندماج، فكيف لهم أن يدربونا."
"أعتقد أن جيلنا سيكون قادرا على تغيير هذا الأمر."بحسب خبرة عبد الرحمن، إن كان الأهل قادرين على توفير الدعم لأطفالهم عند الحاجة، فسيكون الأطفال على ما يرام وستجعل هذه المواقف من شخصياتهم أقوى بكثير.
Abdulrahman Hammoud Source: Supplied
"لكل الخيارات سلبيات وإيجابيات، وفي كل الحالات، سيتعرض الأطفال لتعليقات لا تعجبهم في المدرسة والجامعة، ستداهمهم أحاسيس غير مألوفة وسيبكون في طريق عودتهم إلى المنزل، هذا أمر حتمي، سيحدث بنسبة 100%."
هذه الحلقة الخامسة من بودكاست الهوية - My Arab Identity، الذي يحكي فيه شباب عرب أستراليون كيف يتعاملون مع التحديات التي تواجههم كحاملين لهوية مختلطة - عربية غربية. يمكنكم سماع باقي القصص وقراءتها .
استمع لحلقات سابقة من بودكاست الهوية
أين سأُدفن؟