حضّت الولايات المتحدة كل الدول على استخدام نفوذها من أجل وقف التصعيد في سوريا حيث يتواصل لليوم السادس على التوالي تصعيد دام بين القوات الحكومية السورية وفصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام.
وكانت هذه الفصائل بدأت هجوما مباغتا الأربعاء على مناطق خاضعة لسيطرة النظام في شمال وشمال غرب سوريا وتقدّمت بسرعة، وتمكّنت من السيطرة عليها، وصولا الى حلب، ثاني أكبر مدن سوريا التي خرجت للمرة الأولى بشكل كامل عن سيطرة النظام منذ بدء النزاع السوري في العام 2011.
واعتبر الرئيس السوري بشار الأسد الاثنين أن الهجوم، وهو الأوسع منذ أعوام، هو محاولة "لإعادة رسم خريطة" المنطقة.
وردا على الهجوم، ينفّذ الطيران الحربي السوري والروسي عمليات قصف على مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة في محافظة إدلب (شمال غرب) وفي حلب المجاورة.
وقتل اليوم في هذه الغارات 15 مدنيا بينهم أطفال، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
في حماة (وسط) التي تسيطر عليها الحكومة، قال المرصد إنّ هجوما صاروخيا نفّذه المسلّحون أسفر عن مقتل ستة مدنيين الإثنين.
وأفاد الجيش السوري في بيان بأن قواته تتحرّك "على عدة محاور في أرياف حلب وحماة وإدلب للالتفاف على الإرهابيين وطردهم من المناطق التي دخلوها وتأمينها بالكامل وتثبيت نقاط تمركز جديدة للتحضير للهجوم التالي، مع استمرار وصول المزيد من التعزيزات العسكرية".
وأظهرت مقاطع فيديو لوكالة فرانس برس مسلّحين يتقدّمون باتجاه محافظة حماة في وسط سوريا.
تدخل أجنبي؟
في مدينة حلب، كان مقاتلون مسلحون يجوبون الشوارع في سيارات عسكرية أو سيرا على الأقدام. وأحرق بعضهم العلم السوري، بينما رفع آخرون "علم الثورة".
وارتفعت، بحسب المرصد، حصيلة قتلى المعارك والقصف في شمال سوريا منذ بدء الهجوم الى أكثر من 500، بينهم أكثر من تسعين مدنيا.
ودان الاتحاد الأوروبي "الغارات الجوية الروسية على مناطق ذات كثافة سكانية عالية ودعم روسيا المستمر للقمع (الذي يمارسه) نظام الأسد"، وفق ما قال المتحدث باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد أنور العنوني.
ويستبعد خبراء أن يكون الهجوم الذي يأتي بعد سنوات من هدوء نسبي في البلاد، رغم عدم التوصل الى حل للنزاع، حصل من دون ضوء أخضر تركي، إلا أن وزير خارجية تركيا هاكان فيدان قال اليوم في أنقره حيث اجتمع مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، "من الخطأ في هذه المرحلة، محاولة تفسير هذه الأحداث في سوريا على أنها تدخل أجنبي".
People inspects a camp for internally displaced people destroyed during an airstrike near the village of Harbnush, north of Idlib, Syria, Monday Dec.2, 2024. Several people including children were killed. (AP Photo/Ghaith Alsayed) Source: AP / Ghaith Alsayed/AP
"دعم غير مشروط"
وكانت مدينة حلب محور معركة طاحنة في السنوات الأولى للنزاع السوري الذي بدأ في العام 2011 بعد تظاهرات مناهضة للرئيس بشار الأسد، وتعرضت أحياؤها الشرقية لقصف مدمّر من قوات النظام التي استعادت السيطرة عليها بالكامل عام 2016 بعد تلقيها دعما جويا روسيا ومساندة ميدانية من مستشارين إيرانيين وفصائل مرتبطة بطهران أبرزها حزب الله اللبناني.
ويأتي هجوم الفصائل في لحظة إقليمية ودولية حرجة، إذ تنشغل روسيا بحربها في أوكرانيا، بينما تلقت إيران وحلفاؤها، خصوصا حزب الله، ضربات إسرائيلية موجعة في الفترة الماضية.
وبدأ الهجوم في شمال سوريا يوم دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان حيز التنفيذ بعد نزاع بدأ في تشرين الأول/أكتوبر 2023 وتحوّل مواجهة مفتوحة اعتبارا من أيلول/سبتمبر، على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس.
وقال الأسد الإثنين خلال اتصال مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان إن الهجوم في شمال البلاد محاولة "لتقسيم المنطقة وتفتيت دولها وإعادة رسم الخرائط من جديد".
وكذلك، تعهّد بزشكيان في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين تقديم "دعم غير مشروط" للأسد.
اقرأ المزيد
حلب في قبضة المعارضة للمرة الأولى منذ 2011
إخلاء مناطق كردية
وفي موازاة هجوم هيئة تحرير الشام، شنّت فصائل مدعومة من تركيا هجمات على مناطق سيطرة القوات الكردية في شمال سوريا.
وطالبت قوات سوريا الديموقراطية، الجناح العسكري للإدارة الذاتية الكردية، الإثنين بإجلاء المدنيين الأكراد من محيط مدينة حلب، غداة سيطرة فصائل سورية موالية لأنقرة على مدينة تل رفعت شمال حلب.
وقال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، "نعمل على التواصل مع كافة الجهات الفاعلة في سوريا لتأمين حماية شعبنا وإخراجه بأمان من منطقة تل رفعت والشهباء" في ريف حلب الشمالي "باتجاه مناطقنا الآمنة في شمال شرق البلاد".
وتقع تل رفعت في جيب يسيطر عليه المقاتلون الأكراد في ريف حلب الشمالي، ويقدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان وجود أكثر من مئتي ألف كردي محاصرين فيها حاليا من الفصائل السورية الموالية لأنقرة.
Syrian opposition supporters stand atop a captured Syrian army tank in the town of Maarat al-Numan, southwest from Aleppo, Syria, Saturday Nov. 30, 2024. Thousands of Syrian insurgents have fanned out inside Syria's largest city Aleppo a day after storming it with little resistance from government troops.(AP Photo/Omar Albam) Source: AP / Omar Albam/AP
أول قصف لحزب الله منذ وقف إطلاق النار
قُتل تسعة أشخاص في جنوب لبنان مساء الإثنين في غارات شنّتها إسرائيل إثر إطلاق حزب الله، للمرة الأولى منذ بدء سريان هدنة هشّة بين الطرفين، صواريخ على موقع عسكري إسرائيلي ردّا على "الخروقات الإسرائيلية المتكرّرة" لاتفاق وقف إطلاق النار، في تصعيد بين الطرفين سارعت واشنطن إلى التقليل من خطورته.
وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية أنّ تسعة أشخاص على الأقلّ قتلوا مساء الإثنين بغارتين إسرائيليتين استهدفتا بلدتي حاريص وطلوسة في جنوب لبنان، في حصيلة قتلى هي الأفدح من جراء هجمات منذ دخول الهدنة الهشّة حيّز التنفيذ الأسبوع الماضي.
وكانت الوزارة أعلنت مقتل شخص على الأقل في بلدة مرجعيون جراء ضربة نفّذتها مسيّرة وفق الوكالة الوطنية للإعلام على دراجة نارية.
ومساء الإثنين، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه هاجم "عشرات المنصات الصاروخية والبنى التحتية التابعة لحزب الله في أنحاء لبنان".
A view of a damaged car in the Kibbutz Manara, which is located near to the border with Lebanon, in northern Israel, Monday Dec, 2, 2024. (AP Photo/Ohad Zwigenberg) Source: AP / Ohad Zwigenberg/AP
لكنّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر قال في تصريح لصحافيين إن "وقف إطلاق النار صامد"، وإنّ واشنطن بصدد النظر في انتهاكات محتملة له.
ويسري منذ فجر الأربعاء الماضي وقف لإطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل وضع حدا لنزاع بدأ قبل أكثر من عام بين الطرفين، غداة اندلاع حرب في قطاع غزة عقب هجوم غير مسبوق شنّته حركة حماس على الدولة العبرية.
وينصّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية الولايات المتحدة وفرنسا، على انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان خلال 60 يوما يسحب خلالها حزب الله قواته إلى شمال نهر الليطاني (30 كيلومترا من الحدود مع إسرائيل) ويفكّك البنى التحتية العسكرية التابعة له في جنوب لبنان.
ومنذ سريان الهدنة، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان بشكل يومي عن "انتهاكات متواصلة لوقف إطلاق النار" من جانب القوات الإسرائيلية، مع تعرض بلدات، خصوصا الحدودية منها، لقصف مدفعي ورشقات رشاشة
والإثنين، أعلن حزب الله أنه شنّ هجوما على موقع عسكري إسرائيلي، للمرة الأولى منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وذلك ردا على "الخروقات" الإسرائيلية.
وتعقيبا على ذلك، قال نتانياهو في بيان أصدره مكتبه "إن إطلاق حزب الله النار على موقع اسرائيلي يشكّل انتهاكا خطيرا لوقف إطلاق النار، وسوف ترد إسرائيل بشدة على ذلك" مؤكدا "نحن مصممون على مواصلة تطبيق وقف إطلاق النار والرد على أي انتهاك من جانب حزب الله، سواء كان صغيرا أو خطيرا".
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية اللبنانية بأن إسرائيل شنّت مساء الإثنين غارات على "منطقتي بصليا والبريج عند أطراف بلدة جباع" و"مرتفعات جبل صافي وأطراف اللويزة ومليخ في منطقة إقليم التفاح"، كما أفادت بتعرض "المنطقة الواقعة بين حومين الفوقا ودير الزهراني لغارة معادية"، وذلك وسط "تحليق مكثّف للطيران الاستطلاعي في أجواء مناطق الجنوب على علو منخفض".
وكان نتانياهو قال قبيل دخول الاتفاق حيز التنفيذ إنّ لإسرائيل "الحرية الكاملة للتحرّك عسكريا" في لبنان إذا انتهك حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار أو حاول إعادة التسلح.
LISTEN TO
اتفاق وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله: هل هي بداية لبنان جديد خالٍ من سلاح حزب الله؟
SBS Arabic
27/11/202413:00
"54 خرقا"
في لبنان، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي فاوض باسم حزب الله للتوصل إلى الاتفاق، إن "ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من أعمال عدوانية" في القرى الحدودية، مع "استمرار الطلعات الجوية وتنفيذ غارات استهدفت أكثر من مرة عمق المناطق اللبنانية (...) تمثل خرقا فاضحا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار".
وأشار بري إلى أنّ الخروق "تجاوزت 54 خرقاً، فيما لبنان والمقاومة ملتزمون بشكل تام بما تعهدوا به"، وذلك قبل أن يشنّ حزب الله هجومه الإثنين.
وفتح حزب الله "جبهة إسناد" لقطاع غزة غداة اندلاع الحرب في القطاع الفلسطيني بعد هجوم لحركة حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. واستمر تبادل إطلاق النار بينه وبين الجيش الإسرائيلي عبر الحدود اللبنانية لنحو عام الى أن تحوّل الى حرب مفتوحة بعد تكثيف إسرائيل ضرباتها الجوية وعملياتها العسكرية وبدئها هجوما بريا على جنوب لبنان اعتبارا من 30 أيلول/سبتمبر.
وتعرّض الحزب خلال الشهرين الماضيين لضربات موجعة أودت بمعظم قادته من الصف الأول والعديد من الصفّ الثاني. وبعدما رفض مرارا فصل جبهته عن جبهة غزة مطالبا بوقف الحرب في غزة وانسحاب إسرائيل من القطاع، وافق على وقف إطلاق النار في لبنان.
وتسبّب التصعيد بين حزب الله وإسرائيل في مقتل 3961 شخصا على الأقل منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، معظمهم في الأسابيع الأخيرة من الحرب، وفق وزارة الصحة اللبنانية.
وعلى الجانب الإسرائيلي، أدت الأعمال الحربية إلى مقتل 82 عسكريا و47 مدنيا على الأقل، بحسب السلطات.
وأجبر الصراع 60 ألف شخص في إسرائيل و900 ألف في لبنان على الفرار من منازلهم.
تطورات غزة
وفي غزة، دعا الجيش الإسرائيلي الإثنين السكان إلى إخلاء مناطق في مدينة خان يونس في جنوب القطاع حيث تنشط وفقا له "منظمات إرهابية".
واندلعت الحرب في قطاع غزة بعد هجوم لحركة حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وتسبّب حتى الآن بمقتل 1208 أشخاص معظمهم مدنيون، حسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى أرقام رسمية إسرائيلية.
وخطِف أثناء الهجوم 251 شخصا من داخل الدولة العبرية، لا يزال 97 منهم محتجزين في القطاع، بينهم 35 شخصا أعلن الجيش الإسرائيلي أنهم قتلوا.
وتنفّذ إسرائيل منذ ذلك الوقت ردّا على الهجوم قصفا مدمّرا وعمليات عسكرية في القطاع تسببت بمقتل 44466 شخصا في غزة غالبيتهم مدنيون من النساء والأطفال، وفق أرقام وزارة الصحة التي تديرها حماس وتعتبرها الأمم المتحدة ذات صدقية.
Residents inspect the ruins of a destroyed home in Al-Nuseirat Camp, central Gaza Strip, on December 1, 2024. An Israeli airstrike targeted a residential house housing displaced members of the Abu Mahadi family. As an uneasy truce between Israel and Hezbollah offers the Lebanese a desperately needed reprieve, Palestinians in Gaza feel abandoned, even as the US pushes for a renewed effort to end the fighting in the enclave. Photo by Saeed Jaras/Middle East Images/ABACAPRESS.COM. Source: ABACA / Middle East Images/ABACA/PA
تهديد ترامب
وفي سياق متصل، حذّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الإثنين من أن "ثمنا باهظا ستدفعه" الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة إذا لم يطلق سراح الرهائن المحتجزين لديها قبل تولّيه منصبه في 20 كانون الثاني/يناير.
وجاء تهديد ترامب بعد جهود دبلوماسية شاقة بذلتها إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن وفشلت حتى الآن في تأمين اتفاق من شأنه إنهاء حرب إسرائيل في غزة وتحرير الرهائن الذين احتُجزوا قبل 14 شهرا.
Former President of the United States of America Donald Trump leaves Trump Tower in New York Credit: Niyi Fote/TheNews2/Cover Images/AAP Image
وأكد أنّ "هؤلاء المسؤولين عن هذا الحادث سيلحق بهم ضرر أكبر من أي ضرر لحق بأي شخص آخر في تاريخ الولايات المتحدة الطويل والحافل. أطلقوا سراح الرهائن الآن!".
وكان ترامب تعهّد تقديم دعم قوي لإسرائيل، لكنّه أعرب أيضا عن رغبته في تأمين صفقات على المسرح العالمي.