من قلب الخسارة في طفولة تبحث عن القليل من الأمان، وجد في ذاته حبّه الأول في عالم يرسم هو نهاياته السعيدة على عكس الواقع.
يرتبط طارق سويد ارتباطًا وثيقًا مع قصّته الخاصة في كل انكساراتها وانتصاراتها، فاللحظة عنده قد تكون زمن. لا يخشى أن يقف عاريًا أمام مشاعره وحقيقته كما هي لا كما يصورّها ذاك العالم الافتراضي، فيكشف هو عن ذاته ليقول انّ البكاء قوة وان الإنطفاء عبور لنور داخلي، الانسحاب ظهور هو، التعبير عن المشاعر حريّة وان الجرح حياة!
بدأ سويد مسيرته التمثيلية في عمر مبكر على مقاعد الدراسة في المعهد العالي للفنون، تتلمذ على يد كبار الأساتذة فاختار ان يبقى طالبًا مدى الحياة حتى وان عمل كأستاذ مسرحي. حرّك بقلمه ووجدانه شخصيات واناس من ورق باتو جزءًا من ذاكرة الدراما.
يعود الى محترف طفولته الذي كوّن انسانه ليستذكر وفرة الحب رغم الألم فيقول:
"رغم كل الألم في طفولتي، انظر الى جمالها. ما عشناه كان حقيقيًا، كنا نلعب " سبع حجارة ونقطف الحمّيضة" وكان هناك أناس جميلون في طفولتي"،
" لا يأخذ احد مكان صديق الطفولة، فالطفل الداخلي فينا ورغم السنين ينظر الى ذاك الشخص بالنظرة ذاتها دون احكام".
لبلدته الفياضية ذكريات لا تنسى طبعت إنسانه وايقظت فنانه دون أن يدري، على يد حبّه الأول والدته ساميا جرجورة:
لم اكن انتبه الى ان والدتي ساميا ايقظت الفنان فيّ
" كنت انتظر عطلة الصيف لأقف على المسرح وكان ذلك بفضل والدتي التي كانت تعد هذه الاعمال المسرحية بكل تفاصيلها".
Samia Jarjoura, themother of Tarek Souied.
وعن نداء التصفيق الحار يقول:
" يهب التصفيق الحار شيئًا من التقدير يضمد جرحنا الداخلي وهناك على خشبة المسرح منحت التقدير وكم هذا جميل الا انني اسعى اليوم الى أن ينبع هذا التقدير من الداخل".
المواجهة الأولى مع الموت
خسر طارق سويد، الابن البكر لطوني وساميا، والده عم عمر يناهز 35 عامًا، فكانت المواجهة الأولى مع الموت الذي سرقه من طفولته وجعل منه رجلًا، ودون أن يدري أبًا لشقيقه الأصغر ايلي عن عمر مبكر. يعود بثقل عاطفي الى تلك اللحظة التي شطرت حياته الى ما قبلها وبعدها وهو يطبع قبلة أخيرة على جسد بارد جدًا فيقول:
"توفي والدي وكنت لا أزال طفلًا. كم تمنيت لو لم أودع والدي في لحظة الموت كي لا تنطبع في صورة الجسد البارد والعينان المغمضتان اللتان وُهبتا".
Lebanese screenwriter, actor & Tv presenter Tarek Souied
مات الأمان فيّ مع موت والدي فالوالد هو صورة الأمان والحماية وكبرت باكرًا جدًا
"شنطة الملجأ"
من مواجهة اولى مع موت الوالد الى مواجهات مع وحشية الموت في جحيم الحرب، يعود سويد الى ذاكرة مثقلة بمشاهد لن يتمكن من الهروب مننها اذ يقول:
" شهدتُ على مجزة في طفولتي لن اشفى منها طوال حياتي. كنا نقطن في منطقة عسكرية وتم استهداف الملجأ المواجه لنا. عائلات بأكملها قتلت"،
لن أشفى من ذلك اليوم، لن أنسى الدفن الجماعي لأصدقاء لي
يبحث اليوم عن ملجئه الخاص والأكبر في عبثية حروب، فيجده في عائلته رغم البعد الجغرافي، في منفذ الكتابة التي يهرب اليها وفي الحيوانات الأليفة ويختار الكلمة في مواجهة الرصاص.
طفولة سُلبت
طارق الذي دون ان يدري لعب دور الأب والأخ لشقيقه الأصغر ايلي، وجد بين دراعيه طارق الصغير دون ان يدري ان ما منحه حبًّا سيعانقه حبًّا واسمًا:
"قرر أخي وزوجته ان يطلقا اسمي على مولودهم البكر. عندما حملت طارق الصغير قال لي اخي ايلي "كنت اخي وابي وابني" ولا انسى كلمة ابني"،
" في أضعف اوقاتي قُلبت الأدوار ومن كنت ارعاه كابنًا لي بات يرعاني".
Tarek Souied the uncle with his nephew Tarek who was named after him
"عندما أعاين اخوة على خلاف كأن الشمس لا تشرق".
لستُ بخير
كسر طارق سويد وصمة الصحة النفسية بعد غياب عن الشاشة والأعمال التلفزيونية ليبرر سبب غيابه المفاجئ فاختار ان يكشف عن الجرح:
"التحدي الأكبر كان ان اكسر الصمت ووصمة الصحة النفسية وابرر سبب غيابي المفاجئ "
" شعرت بالاحتراق الوظيفي وخسرت كل قوة على المضي قدمًا وأقول انه من غير المعيب ان تعترف انك موجوع ومن الضروري ان تطلب المساعدة. لك أقول انت لست مشاعرك".
مسيرة سخيّة
طارق سويد الذي كبر باكرًا بين حقائب ثلاث رسمت حياته من حقيبة الملجأ الى المدرسة الداخلية فالمسرح رسم مسيرته السخية من بدايات متواضعة اذ يقول"
"بدأت من الصفر، لم يكن لدي علاقات في الوسط الفني وتابعت دراستي في الجامعة اللبنانية الوطنية وانظر اليوم الي مسيرتي بفخر وامتنان".
هو الذي يترك القلم جامدًا ما لم يحركه الشغف يقول:
"أفضّل الا اكتب ما لم يكن لدي شيء أقوله. لا ولن اكتب بهدف تجاري".
طارق الانسان الذي يوظّف الكتابة الدرامية لخلق تغيير مجتمعي، لتحريك الرأي العام في جدلية صحية وللإضاءة على رسالة أسمى يقول:
"انهالت طلبات وهب الأعضاء بعد مسلسل بالقلب الذي كتبته وتلقيت رسالة شكر من اللجنة الوطنية لوهب الأعضاء في لبنان للتهافت الاستثنائي"،
انظر الى ذاتي واسأل هل قلمي أحدث الفرق؟
وفي ملء اللحظة العابرة التي لا تنفصل عن الماضي ولا تفلت من الآتي يقول:
"لطارق الماضي أقول لست مذنبًا في شيء، لطارق المستقبل أقول عليم ان تعمل ليكون الغد افضل ولطارق الحاضر أقول احبب ذاتك كثيرًا".
ما الذي أبكي طارق سويد؟ ومن هي كلارا التي يجد نفسه حاضرًا ليهبها قلبه؟
الإجابة مع طارق سويد في الملّف الصوتيّ أعلاه.
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على