من ذاك الدفء الأول في ينبوع، وطين وسنونو في "عيناتا" الجنوبية، الى يدين من دُعاء توسّع السماء في 'خاتمة النساء' فغربة طويلة تبحث عن حنايا وجه "شفيق" يوم خرج من ذاك الأسر ليدخل في آخر مع عناق في جسد أدركه البرد الأبدي مع والد وصل من غربته ليزفّ ابنه الى ظلال الحرية فبات اسمه صلاة مئذنة في لقاء الرحيل، سكب زاهي وهبي روحه وسرّ الكلمة في 23 ديوانًا شعريًا، ليصير رحمًا لها ولتكون هي، وحدها هي، "بيت القصيد".
يتمحور حول كتاب لا من ورق بس من خلايا في عناق لا ينتهي مع أرض هي أمه، وأمٌّ هي ارضه المقدسة وكل رسائل الخفر والعشق لحب لا يتّسع في كلمات. هو الذي يتقن كلمة الصمت، يعي ان السؤال الأصعب هو الذي لن يجد مكانه الى البوح فيهب خصوبة إصغائه فسحات سؤال ليكون الأكثر سخاءً في مساحات بوح اللا كلمة فيتألق انسانه في ذاك الصحافي الذي دون ان يدري رسم أربعة عقود من العمل الإعلامي.
يسير ببطء في حنايا بيت شكّل انسانه ليعود طفلًا يرسم طفولته بريشة صديقه الأول ذاك "السنونو" الذي وجد سُكناه في مع رسائل وشفيق وبيت من حب وطين وماء، ليقول:
"ولدتُ في منزل من حجر وطين في بلده عيناتا والتي تسميتها تعني العيون الكثيرة وكان هناك عين ماء تتفجّر داخل المنزل ووجد عصفور السنونو ملاذه في منزلنا ليصنع عُشّه داخل البيت والملفت أنّ السنونو كان ينسج عشه من طين وقش لذا فأول صديقين في حياتي كانا ينبوع ماء وعصفور سنونو".
تحولت هذه الطفولة الى ينبوع يعود اليه زاهي وهبي كلما شعر بظمأ روحي وعاطفي في عالم موحش وبارد في مسكن من حُبّ ويدين من دعاء في ارضه المقدسة التي مسحت جبينه وعمره بزيت راحتها وعلّقت في زنده شمسًا وأحد عشر كوكبا مع من كانت "وجه الله بعد الله":
المشهد الذي استذكره هو مشهد والدتي عند الفجر ويداها مرفوعتان نحو السماء تصلّي وكانت بيديها توسّع الأماكن الضيقة وتنير الأماكن المُظلمة
"كانت الاب والام في غياب والدي الذي هاجر الى سيدني في مطلع الحرب الأهلية، ومنها تعلمت الخفر في عالم فاجر".
هو الابن الأوحد لشفيق ورسائل، عاش وحيدًا رغم وجود اخوة وأخوات له من والده واختبر غربة الوطن مع والد ترك لبنان قسرًا في خضم الحرب الأهلية ليستقر وعائلته في ارض بعيدة سلبت من زاهي كل شيء وغيّرت معالم حياته.
وعن تفاصيل العائلتين والبيتين لطفل فرح بعدم وجود من يشاركه والدته يقول زاهي:
في طفولتي كنت أفرح لأنه والدتي كانت لي وحدي، ولكن عندما كبرت أدركتُ ما افتقدت وماذا خسرت من عائلة واخوة
استراليا سرقت مني والدي
فقد زاهي وهبي والده قبل الموت بسنوات، فالغربة كانت موتًا مقنّعًا لذاك الصبي الذي كبر قبل الوقت. لم يكن يعي وهو في التاسعة من العمر ان الحياة رحيل دائم مع هجرة والده الى تلك الأرض البعيدة ليعود ويلتقيه بعد ست سنوات عام 1981 ليطلب منه للانتقال الى استراليا، ولكن الحياة لم تنتظر اكمال زاهي الثانوية العامة واختارت لقاء الرحيل.
عاد الوالد بعد ثماني سنوات عاشها ابي في استراليا عام 1983، ولكن هذه المرة في جسد بارد ليمضي ما تبقى من اللاعمر في تراب عيناتا في لحظة شطرت حياة زاهي وهبي بين ما قبلها وما بعدها. ففرحة الخروج من الأسر باتت جرحًا لن يعرف طريقه الى الحرية. يعود زاهي بالذاكرة الى ذاك الشاب الذي كان يضج بسبعة عشر ربيعًا في فجر الحرية ليخترق اسمٌ سيسمعه للمرة الأخيرة، ولكن على مئذنة المسجد ليقول:
" عندما حررت من المعتقل الاسرائيلي عام 1983 وانا في السيارة العسكرية ووالدتي تركض خلف السيارة العسكرية التي كانت تقلّني، كان حلمي ان التقي بوالدي الذي هاجر الى سيدني والذي زارني تحديدًا عام 1981 ليطلب مني السفر الى استراليا"،
"يا لسخرية القدر، فبعد خروجي من المعتقل الإسرائيلي وما ان وصلت الى القرية، شعرتُ بشيء غريب من قبل العائلة والاصدقاء الى ان سمعت على مُكبّر الصوت اسم والدي الذي توفي في سيدني قبل يومين من خروجي"
حاول الجميع اخفاء هذا الخبر كي لا اصدم به فور وصولي! فكانت صدمة لي بكل المعاني وبكيت بكاءً مريرًا على والدي وعلى حلم اللقاء به والعيش معه الذي انطفأ
ويتابع قائلًا:
"توقظين منعطفات مصيرية ولحظات في حياتي، وبالطبع استراليا سرقت والدي مني وسرقت مني حلم العائلة، ولكن الحياة لا بدّ ان تجمعنا"،
" انا على ارتباط وثيق مع اخواتي الستة وشقيقيّ وهم طيبّون ويزورون لبنان بشكل دائم وبات حلمي ان أزور استراليا لألتقيهم جميعًا".
Zahi Wehbe with his youngest sister Mirvat who lives in Australia
"نحن اللبنانيون والجنوبيون تحديدًا سرقنا الاعمار سرقة بين جولة حرب وأخرى، وفي الحرب تتكثّف المشاعر ونكتشف قيمة الحياة ونعيشها بعمق أكبر"،
" بتنا نبحث عن معنى وجودنا في هذا الشرق المنذور للحروب منذ ان كانت الحياة على الأرض".
خبز وكلمة
زاهي وهبي الذي بات رحمًا للكلمة في 23 ديوانًا شعريًا، قد لا يكون هو من يلد الكلمة، بل هي من تلده. وعن تلك التي كانت في البدء يقول:
الكلمة تخترق الزمن وتعيش أكثر من صاحبها وتتحول الى ذاكرة للأجيال، فالكلمة حارسة الوجدان والذاكرة والضمير ويجب ان تبقى حيّة مهما تبدلت الأزمنة وأدوات التعبير
وعن جدلية العلاقة مع سرّ الكلمة يقول:
"اتساءل احيانًا عن الحالة التي كانت تسكنني عندما ولد نص ما لي، فالنصّ يولد بطريقه غامضة وولادة القصيدة اشبه بتشكل الجنين في رحم الام المُظلم دون ان يشارك أحد في مراحل هذا التشكُّل هكذا تتشكل القصيدة في رحم وجداني ".
تخونه الكلمة وتضيق الكلمة كلما فاض المعنى فيسكنه الصمت اما من يكتبون بحبر القلب فيقول:
"لا يمكن ان نفاضل بين من يكتب بدمه ومن يكتب بحبره فبلاغة الحبر لا يمكن ان تضاهي الدم والحبر عليه ان يجعل هذه القضية حيّة وعصيّة على النسيان كي لا يُنسى جرح الأرض".
Zahi Wehbe with his wife Rabia Al Zayyat and their children Dali & Kenz
وهو الذي يرى ان الأنوثة تقود العالم الى اعلى ويعتبر ان المرأة ملهمته، يعتبر ان الحرية أجمل امرأة في الدنيا. هل وجد في رفيقة قلبه وقلمه الاعلاميّة رابعة الزّيات من هي أجمل من الحريّة؟
الإجابة مع زاهي وهبي، في رحلة صوتيّة في الملف الصوتي أعلاه.
اقرأ المزيد:
مئوية هجرة تحكي
استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على وعلى القناة 304 التلفزيونية.