ارتفاع طلبات الموافقة على البناء وتحديات الأسعار
شهد قطاع البناء في أستراليا تغييرات كبيرة خلال السنوات الماضية. ففي أعقاب تراجع في عدد الموافقات على البناء وتراخيص المشاريع بين عامي 2019 و2020، شهدت الفترة الثانية من السنة المالية 2020-2021 انتعاشاً ملحوظاً في الطلبات بسبب تراجع أسعار الفائدة وبرامج التحفيز الحكومية.
وقالت إليزا أوين، رئيسة قسم الأبحاث السكنية في شركة CoreLogic أستراليا: "عندما تنخفض أسعار الفائدة، يزداد الطلب على القروض وشراء المنازل". وفي إطار استجابة الحكومة الأسترالية لجائحة كورونا، تم الإعلان عن برنامج "HomeBuilder" في يونيو 2020، الذي قدم منحة قدرها 25,000 دولار للأفراد المؤهلين لبناء منازل جديدة أو تجديد المنازل القائمة.
وأضافت أوين أن تصميم البرنامج ساهم في زيادة الطلب بشكل غير مسبوق، حيث دفع العديد من الأفراد لتسريع قرارات شراء المنازل لتواكب مهلة البرنامج التي انتهت في أبريل 2021.
A chart depicting total dwellings approved and commenced in Australia between 2011-2012 to 2023-2024. Source: SBS
أزمة الازدحام في مشاريع البناء
نتيجة لارتفاع الموافقات على البناء والإطلاقات في منتصف عام 2021، أصبحت أستراليا تشهد حالة من الازدحام في مشاريع البناء، حيث تسببت هذه الزيادة في الطلب في نقص في العمالة والمواد، مما أدى إلى توقف العديد من المشاريع في مراحل مختلفة من البناء.
كما أدت الظروف الجوية القاسية وإفلاس العديد من شركات البناء إلى زيادة التأخيرات. تشير بيانات مكتب الإحصاءات الأسترالي إلى أن عدد المنازل قيد البناء بلغ ذروته في آذار / مارس 2023، حيث وصل إلى 104,315 منزلًا، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 48% مقارنة بالرقم القياسي قبل جائحة كورونا.
زيادة تكاليف البناء
مع ارتفاع الطلب على البناء بسبب التحفيز الحكومي وأسعار الفائدة المنخفضة، واجهت أستراليا أيضًا تحديات كبيرة تتعلق بارتفاع تكاليف المواد والأيدي العاملة. وأدى الطلب المفرط على المواد إلى زيادة الأسعار بشكل ملحوظ. تقول أوين: "الطلب على المساكن فاق بكثير توفر المواد والعمالة اللازمة للبناء". وقدرت الزيادة في تكاليف البناء منذ بداية الجائحة بحوالي 30% للمنازل المستقلة.
من جانبها، شهدت تكاليف بناء المنازل في أستراليا زيادة كبيرة، حيث ارتفع متوسط تكلفة بناء منزل من 345,410 دولارًا في 2019-2020 إلى 443,828 دولاراً في 2023-2024. وقد شهدت ولاية كوينزلاند أكبر زيادة سنوية في التكاليف بنسبة 9.9%، تلتها ولاية تسمانيا بنسبة 8%.
A graphic illustrating the average completion time for new houses by state from September 2019 to June 2024. Source: SBS
إفلاس الشركات الإنشائية
على الرغم من زيادة الطلب على المنازل، فقد شهدت أستراليا أيضًا ارتفاعاً في إفلاس الشركات الإنشائية. ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة نيو ساوث ويلز (UNSW)، فإن "الشيء المكسور في قطاع البناء السكني هو نمط العقود الثابتة التي تقدمها الشركات". حيث وقعت العديد من الشركات على عقود ثابتة مع العملاء، مما يعني أنها تتحمل مخاطر ارتفاع التكاليف من مواد وأيدي عاملة دون القدرة على تعديل الأسعار وفقًا للظروف المتغيرة.
وتتسبب هذه العقود، جنبًا إلى جنب مع الارتفاع الحاد في التكاليف، في خسائر كبيرة للشركات، مما يؤدي إلى إفلاس العديد منها، بينما تظل المنازل غير مكتملة. ومن الجدير بالذكر أن جميع الولايات والمناطق الأسترالية لم تحقق بعد الهدف الوطني المتمثل في بناء 1.2 مليون منزل إضافي بحلول يوليو 2029.
المستقبل المجهول للقطاع الإنشائي
على الرغم من التحسينات الطفيفة في بعض المجالات، مثل تباطؤ الزيادة في تكاليف المواد، فإن قطاع البناء لا يزال يواجه تحديات كبيرة. وفقاً لأوين، فإن تأثيرات جائحة كورونا لا تزال مستمرة في القطاع الإنشائي، حيث يسعى العمال للحصول على أجور أعلى لمواكبة تكاليف المعيشة والزيادة في التضخم.
وأضافت أوين أن أسعار البناء ستستمر في الارتفاع، لكن بوتيرة أبطأ، مع اعترافها بأن قطاع البناء يتمتع بطبيعة "دورية"، حيث عندما تصبح التكاليف مرتفعة جداً، يتوقف المشترون والمطورون عن البناء أو شراء المنازل الجديدة. وهذا سيسهم في تقليل الضغوط على سوق البناء.