اختارت عازفة الكمان سما رامي نجم النازحة من شمال قطاع غزة، ان تكون هي وكمانها صوت الحياة وسط أصوات الموت فكانت نقطة التحول يوم عيد ميلادها في شمعة امل ستضاء ولن تنطفئ فحولت الخيام إلى فصول دراسية للأمل والعلاج بالموسيقى.
مر عام على هجوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر الذي أشعل الحرب في غزة وسط فشل الدبلوماسية في التوصل إلى وقف لإطلاق النار فيما العالم يراقب ارتفاع حصيلة الخسارة البشرية مع مقتل 1205 شخص على الجانب الإسرائيلي، معظمهم من المدنيين وأكثر من 41 ألف شخص على الجانب الفلسطيني غالبيتهم من المدنيين، بحسب وزارة الصحة في القطاع الذي تديره حماس.
Sama Nijm teaching violin to displaced children in war torn Gaza.
سمحت لي سما ان ادخل الى ارضها المقدسة لأعاين جراح الحرب غير المنظورة التي تخترق الأمكنة النفسية لأعتذر مسبقًا عن دنوي من الجرح لعلني اعطيه صوتًا!
لقاء بُتر مرارًا وتكرارًا فنحن في زمن الحرب!
السابع من أكتوبر
تعود سما،طالبة العزف على آلة الكمان والغناء في معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقى، بالذاكرة الى يوم غيّر ملامح حياتها كما ملامح غزة بأكملها، فكانت بداية النهاية:
" في مثل هذا اليوم من سنة تحديدًا كنت استعدّ لامتحاناتي ولحفلات المعهد ولكن الحرب حطّمت أحلامنا وما ظننته صوت الرعد اتضح بعد ساعة انه بداية النكسة"،
هذه الحرب كانت بداية نهاية الحياة بالنسبة لنا
أخلت سما المنزل مع ذويها دون ان تدري ان ذاك الرحيل سيكون بداية اللاعودة الى مكان لن يعود. هي التي حملت معها رفيقها الأول، آلة خشبية بأوتارها الأربعة تقول:
حملت معي كماني الأول، رفيقي! الآلة الأولى المليئة بالذكريات
ظنت ان الاخلاء سيكون لفترة قصيرة ولم تكن تتخيل انها ستخسر كل ما تركته وراءها".
"قهر وكسرة"
سما نجم التي لم يكن يعرف الحزن طريقًا لربيع قلبها، تتحدث عن "القهر" مرارًا وتكرارًا، تتنهّد وتقف بكسرة امام لحظات عرّتها من الكرامة فتقول:
"عشت لحظات قاسية لن انساها. كنت اتألم عند رؤية العالم يعيش حياة عادية عبر وسائل التواصل الاجتماعي"
واسأل ذاتي لمَ نحن بين الكل؟ لمَ غزة؟
هي التي تكبر في كنف عائلة تغمرها بالحب والدفء، كسرتها قساوة الحرب اذ تقول:
كنت استيقظ عند الرابعة فجرًا لانتظر دوري لدخول الحمام. من كان يتخيل ذلك؟
" حرمنا من ابسط تفاصيل الحياة وكم كنت اتخلى عن دوري لدخزل الحمام، في طابور انتظار يطول ل 70 شخصًا".
تعود سما الى اللحظة الأقسى وهي تشهد على محاصرتهم من قبل الدبابات الإسرائيلية وسط الخوف من خسارة أهلها، دون ان تدري انها ستشهد بالعين المجردة على احتراق حلم وخلايا اغلى الناس امامها:
"رأيت عمي وأولاده يموتون احتراقًا وهذه لحظة لا تفارقني".
نقطة التحوّل
هي التي كاد الموت الداخلي ان يسكنها، اختارت ان تقول وبحزم "لا" لانهزامية القهر، لتعود الى صوتها الداخلي التي له وحده الكلمة الفصل في زمنها الخاص لتختار أن تحتفل بالموسيقى والحياة وبدأت بتنظيم فعاليات موسيقية فتحول الخيمة الى صف والموت الى حياة:
في عمق انكسار الأهالي وحين كانت تسمع " يا ليتنا نموت لنرتاح، تمنيت أن أغير شيئًا ما في العالم "،
" في عيد ميلادي كانت نقطة التحول فاخترت انا وزميلي صالح ان اتطوّع لتعليم الأطفال الغناء وعزف آلة الكمان لأنقل للأطفال حلمي".
وهكذا تحوّلت الخيمة الى واحة للإبداع والمعرفة الموسيقية:
"قررنا أنا وزميلي في المعهد صالح جبر أن نحوّل الخيمة الى صف وننشر فيها ثقافة الموسيقى. كانت بداية صعبة وسط أجواء الحرب لكن ردة فعل الناس كانت إيجابية".
يد مبتورة لا حلم
غيرت الحرب كل تفاصيل حياة الطفل محمد أبو عيدة الذي خسر يده التي بترت في الحرب ما أجبره على التوقف عن دراسة العزف على آلة العود ولكن الحلم لم يبتر في قلب سما اذ تقول:
" شعرت بالقهر لأن محمد لن يتمكّن من ان يعزف كباقي الأطفال، فشجعته على استبدال العود بالكمان ولكنه كان خائفًا".
Muhammad Abu Eida, who lost his hand in the war, yet with the inspiration of Sama his dream to play the dream was not amputated too.
ولأن الحب لا يعرف المستحيل وهو بحد ذاته الأعجوبة الأكبر، أصغت سما الى قلبها وبادرت قائلة:
"ابتكرت طريقة لأربط القوس على يد محمد ليتمكن من العزف فشعر بأن الحياة تبتسم له مجددًا وبأن الأمل بات أقوى من ذي قبل".
هي التي تتوق للحظات ظنتها عادية دون ان تدري ان الخارق كان في ذاك العادي، تقول:
"آه كم اشتاق للبيت، للدّرج الذي شهد على عزفي وسمع صوتي! كم اشتاق للحارة، للناس واتناول الطعام من يدي والدتي في المطبخ"؟
مشتاقة لأتنشق هواء غزة دون رائحة البارود
فرضت حرب غزة خسارات لا تحصى على سما، ولكنها ايقظت في اعماقها "سما" جديدة لا تنهزم، تتمسك بحلمها وتدير حياتها بأقل الإمكانيات اذ تقول:
"قطع الوتر الرابع في كماني ورغم ذلك فانا مستمرة بالعزف واتمسك بحلمي بأن أصبح عازفة مشهورة".
وختمت قائلة:
اسمي سما أتمنى ان يكون لي تصيبًا في سمي وفي السماء
ماذا قالت سما لجرح قلبها؟ وماذا فعلت الحرب بها؟
الإجابة في رحلة صوتية توثق جرح غزة المرفق بالصورة أعلاه.
استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على وعلى القناة 304 التلفزيونية.