عندما أرسل العراقي رامي الصابري رسالة إلى مدير أحد مراصد السماء في مدينة سيدني، كل ما أراده وقتها أن ينظر إلى النجوم. لم يعرف رامي أن مبادرته تلك ستجعله في القلب من اكتشاف فلكي مثير، وستضع اسمه في واحدة من أرقى الدوريات العلمية الفلكية في العالم.
قاد رامي اكتشاف أول نجم نابض متحرك في مجرة سحابة ماجلان الصغرى، واحدة من المجرات القزمة القريبة من مجرتنا. وقال رامي لأس بي أس عربي24 "هذا النجم نادر للغاية في كل من مجرة سحابة ماجلان الصغرى والكبرى أيضا." وأضاف "هذا هو النجم النابض الوحيد المتحرك في هاتين المجرتين، ومهمتنا الآن معرفة سبب تلك الحركة الفريدة."
وصل رامي زينل عزت الصابري البالغ من العمرستة وثلاثين عاما إلى أستراليا نهاية عام 2016. أتت عائلته إلى سيدني في إطار برنامج الأمم المتحدة لإعادة توطين اللاجئين. قصة لجوء الصابري ليست فريدة، ترك العراق عام 2013 إلى الأردن لأسباب أمنية، وهناك انتظر ثلاث سنوات حتى إعادة توطينه.هذه الرحلة الشاقة لم تنسيه شغفه بالفضاء، فهو يحمل ماجستير في علم الفلك من كلية العلوم في جامعة بغداد.
Source: SBS
بعد ثلاثة أشهر من وصوله بحث على الإنترنت عن المراصد الفلكية أو التلسكوبات التي تشتهر بها أستراليا. وقال رامي "وجدت أقرب مرصد لي في Penrith يتبع جامعة غرب سيدني، فأنا أسكن في ليفربول." بعث الصابري رسالة إلى مدير المرصد البروفيسور ميروسلاف فيليبوفيتش لتكون بداية علاقة وطيدة بينهما.
قال رامي "رحب بي وطلب مقابلتي، وهو الآن مشرف رسالة الدكتوراة الخاصة بي." وأضاف "هو من نصحني باستكمال دراستي لأن شهادة جامعة بغداد معترف بها ولا احتاج إلى معادلتها."
لم تساعده دراسته في بغداد إلا في الدخول من باب المرصد، لأن دراسة الفلك في العراق نظرية في مجملها لعدم توافر الإمكانيات. لكن رامي كان متحمسا لنقل دراسته النظرية إلى المضمار العملي. يصف رامي تلك النقلة "كان كل شئ جديد، صحيح أنا أحمل شهادة في الفلك ولكن هنا الدراسة عملية وهناك بيانات ورصد وشئ جديد تماما."
Source: SBS
اكتشاف فريد
كلفه البروفيسور فيليبوفيتش برصد منطقة في مجرة سحابة ماجلان الصغرى، وهي مجرة قزمة قريبة من مجرة درب التبانة التي يقع كوكبنا فيها. وهي أيضا واحدة من المجرات التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة من الأرض. كان البروفيسور يعتقد أن هناك نجم نابض هناك لكن دون تأكيد، لأن البيانات التي لديه تعود لعام 2008 والتقنية التي استخدمها وقتذاك كانت قديمة.
رامي تذكر بحماس العمل على هذا المشروع "عملنا على التلسكوبات والتقطنا بيانات جديدة و حللناها وخرجنا بصورة جديدة أكدت وجود نجم نابض أو Pulser"
النجوم النابضة هي أجسام كونية تتكون نتيجة موت نجم كتلته أكبر بكثير من الشمس. موت أي نجم أو انهياره ينتج عنه انفجار كونيا هائلا يعرف باسم المستعر الفائق أو السوبرنوفا Supernova. ويخلف هذا الانفجار بقايا تسمى supernova remnant يكون في القلب منها أجسام هائلة الكثافة مثل النجوم النابضة أو الثقوب السوداء.تمثل النجوم النابضة أدوات معرفية مذهلة لدراسة عدد من الظواهر الكونية، ووصفتها وكالة ناسا الأمريكية بأنها "الساعات الطبيعية الأكثر دقة في الكون."
One of the fastest moving pulsars traveling through space. Source: Western Sydney University
فيمكن من خلال الومضات التي تصدرها تلك النجوم النابضة، خاصة لو كانت منتظمة ودقيقة، قياس المسافات والكشف عن أحداث كونية كبيرة مثل الاصطدام بين الثقوب السوداء فائقة الكتلة. كما يمكن الكشف عن سلوك المواد في أحد أكثر الأجسام كثافة في الكون وما يحمل ذلك من قيمة كبيرة لعلم الفيزياء.
اكتشاف رامي متميز لأنه رصد أول نجم نابض يتحرك في هاتين المجرتين. وعلى عكس باقي النجوم النابضة المسجلة في سحابة ماجلان الكبرى الصغرى والكبرى لا يكتفي النجم الجديد بالوقوف والدوران حول نفسه. لكن رامي وفريقه عازمون على حل هذا اللغز الكوني ووضع لبنة أخرى في جدار فهمنا للكون الفسيح "قدمنا مشروع لاستخدام جهاز أشعة حديث للغاية ومن خلال هذا البحث المقترح سنفهم سبب تحرك هذا النجم."
نشر رامي اكتشافه في دورية "الإشعارات الشهرية للجمعية الملكية الفلكية البريطانية" المرموقة، أقدم مجلة علمية في مجال الفلك والفيزياء الفلكية، والتي تنشر أوراق علمية مُحكمة تحمل محتوى أصيل واكتشافات جديدة.
الطريق مازال طويلا
تحدث رامي عن شعوره بعد نشر البحث "شعور لا يوصف، حتى الآن حققت ثلاثة من أحلامي، أتيت إلى أستراليا، وبدأت الدكتوراة، وزرت عدد من أرقى التليسكوبات هنا في أستراليا، شعوري لا يوصف."
ورغم إنجازه ما زال رامي يعتقد أن أمامه طريقا طويلا "ما زلت في الخطوة الأولى، ولا أعرف ما الذي يحمله لي المستقبل ولكني أتمنى تحقيق المزيد." ولكن رامي لا يستطيع إخفاء حماسه لهذا الاكتشاف رغم تقديراته المتحفظة "منذ طفولتي وأنا اتطلع للسماء وانظر إلى النجوم الكثيرة وأطرح اسئلة حولها." وقال رامي "لم أستطع أن أجيب على كل اسئلة طفولتي حتى الآن ولكني جاوبت على الاسئلة الأساسية البسيطة على الأقل."
لم يهتم رامي كثيرا عندما نصحه الناس في العراق بالابتعاد عن قسم الفلك لأنه بعيد عن متطلبات سوق العمل، وقال رامي " قلت لهم أنا أحب الفلك." وأضاف "أنا لست مهتما بمسألة العمل بقدر ما أنا مهتم بتطوير نفسي في العلم."
استمعوا إلى المقابلة مع رامي الصابري باللغة العربية